Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مسجد «المخض» أكثر من 1200 عام لم يتوقف الأذان فيه

مسجد «المخض» أكثر من 1200 عام لم يتوقف الأذان فيه

تُعدُّ منطقة عسير أكبر مناطق المملكة العربيَّة السعوديَّة من حيث المساجد التاريخيَّة الضاربة في جذور التاريخ القديم، حيث يوجد بمنطقة عسير نحو 243 مسجدًا تاريخيًّا موزعة في أغلب محافظات، ومراكز منطق

A A

تُعدُّ منطقة عسير أكبر مناطق المملكة العربيَّة السعوديَّة من حيث المساجد التاريخيَّة الضاربة في جذور التاريخ القديم، حيث يوجد بمنطقة عسير نحو 243 مسجدًا تاريخيًّا موزعة في أغلب محافظات، ومراكز منطقة عسير، وأكثرها تتمركز في (السراة) أعلى قمم الجبال، وتحضنها قرى أثرية لا تزال حتى يومنا هذا شامخة، كما أن أغلب المساجد التاريخية تؤدَّى فيها الصلوات إلى يومنا هذا، ويتم الاهتمام بها سواء من قبل أهالي تلك القرى، وتعاقب الأجيال، ويقصد هذه المساجد التاريخيَّة الوفود السياحيَّة، وتحرص على الوصول إليها، والتجول داخلها وحولها، بالإضافة إلى الصلاة فيها لما للمساجد العتيقة والقديمة من فضل في الصلاة. ومن أشهر المساجد التاريخيَّة بمنطقة عسير مسجد المخض بقرى بني مازن، ومسجد السقا بمركز السودة، ومسجد طبب التاريخي، ومسجد ريدة، ومسجد العامرة، ومسجد السرو، ومسجد الغرة، ومسجد قرية آل عليان، وهناك مساجد كثيرة ذات بعد تاريخي عريق.
«الرسالة» قامت بجوالة على عدد من المساجد التاريخية بمنطقة عسير والتى أشهرها مسجد (المخض) التاريخي بقرية المخض القديمة في قرى بنى مازن بمدينة ابها والتى تبعد نحو 9 كم غرب مدينة ابها عن طريق جبل (نهران) ولوصول الى مسجد المخض التاريخي في قلب القرية القديمة لا بد وأن تعبر أحد الأودية والذي تمَّ صبَّه بالخرسانة المسلَّحة (مزلقان)، والذي تجري مياهه طوال العام حتَّى الوصول إلى القرية القديمة (قرية المخض)، والذي اكتسب المسجد التاريخي الاسم من اسم القرية، بعد الوصول يجب عليك أن تمرَّ بعدد من الممرَّات الضيَّقة والضاربة في عبق التاريخ، ولا تزال على البناء القديم من الحجر، والأبواب الخشبيَّة العتيقة، والجسور الخشبيَّة، وصولاً إلى باب المسجد الرئيس، والذي يطل على ساحة أمام المسجد.
مؤرخ: المسجد بني في العام السابع للهجرة
هناك اختلاف في بعض الروايات عن تاريخ بناء هذا المسجد حيث يقول المؤرّخ في تاريخ عسير (إبراهيم الحفظي) إن المسجد بُني في العام 70 للهجرة في زمن الخليفة يزيد بن معاوية، ولكن هناك راويات، وتم العثور عليه مكتوبًا في جذوع وسقف المسجد أنه بُني أو رُمم في عام (253) للهجرة، وهو باق على حاله إلى يومنا هذا مع بعض الترميمات التي كان آخرها عام 1413 للهجرة ولم تمس هذه الترميمات حال المسجد، أو وضعه، وبقي على حاله إلى يومنا هذا، ويُعدُّ من أقدم المساجد التاريخيَّة بمنطقة عسير ولا تزال الصلوات الخمس تُقام فيه إلى يومنا هذا، وكان تعهده أهالي القرية بالرعاية والاهتمام.
مجلس الأمير من أهم أقسام المسجد، حيث تعقد فيه المحاكمات
بعد الوصول إلى باب المسجد الرئيس عن طريق عدد من الممرات الضيّقة ذات البناء الحجري، والصعود عدد من الدرجات تقف أمام باب المسجد الرئيس الخشبي العتيق والقوي فلا يمكنك فتح الباب إلاَّ باستخدام قليل من قوتك.
بعد الدخول من باب المسجد الرئيس تطل على ساحة أمام المسجد، وعلى يسارك يقع مجلس الأمير وهو عبارة عن (عريش ملحق بجانب المسجد) يدير فيه الحاكم، أو الأمير شؤون القرية والحكم، وتعقد فيه المحاكمات، وجلسات الصلح ويحتوي على موقع يتم فيه حبس المحكوم عليهم، أو المتخاصمين حتى يتصالحا، او تنتهى محكوميتهم، وهو عبارة عن خشبتين سميكتين، وذات ثقل كبير ومحفور بين الخشبتين أربع فتحات يتم من خلالها وضع أقدام المحكومين أو المتخاصمين داخلها، ويتم إطباق الخشبتين على بعضهما وإغلاقهما بالقفل، ولا تُفتح لهما سوى للصلاة، وبعد انقضائها يعودان إليها، ولا تزال الخشبتان موجودتين إلى يومنا هذا.
مواقع الوضوء تحتوي على 7 برك من الحجر المغطى بالجص
مقابل مجلس الأمير وداخل الساحة أمام المسجد وفي نهاية الساحة تقع مواقع الوضوء، وهي عبارة عن 7 برك يصل بينها مجرى للمياه من الحجر المغطى بالجص (القضاض)، وأسفل مجلس الأمير ووسط الساحة توجد بركة مياه عملاقة تقوم على جمع مياه الأمطار، وتخزينها في الأسفل، ومن ثمَّ تجلب المياه من داخل البركة الأم بالدلو، ومن ثم تجري المياه وسط المجرى حتى تملأ البرك السبع الصغيرة، حيث يقوم المصلين وأهالي القرية بالوضوء منها، وهناك جزء مستور في زاوية الساحة لقضاء الحاجة، ومن يشاهد هذا المنظر يعرف ما كان عليه أسلافنا، وأجدادنا من روعة في التصميم والاختراع والابتكار، وهي تصطف بجانب بعضها مكونة منظرًا جماليًّا أخّاذًا.
شواهد تأريخية
1- سطوح المسجد: للمسجد عدد من السلالم التى صممت من الحجارة وتقود الى سطح المسجد حيث يوجد عريش في طرف المسجد تتم الصلاة فيه في أوقات الصيف وتحسن الأجواء، ويتّسع لأكثر من عشرة مصلين على صفين، وتعقد فيه بعض الجلسات.
2- مئذنة المسجد: لا تزال مئذنة المسجد باقية حتى يومنا هذا، وهي ذات ارتفاع بسيط من سطح المسجد، وذات تجويف داخل فتحات من جميع الاتجاهات، وله ثلاث درجات يطلع من خلالها المؤذن حتى يقف داخل المئذنة ويرفع الأذان.
3- المسجد من الداخل: بعد جولتنا على أجزاء المسجد داخلنا المسجد والذي تم تغير بابه الخشبي، واحدى نوافذه بعد ان تعرض للانهيار في أحد الازمان فقام أهالي القرية برفع الباب، ووضع باب حديدي والإبقاء على وضع المسحد كما هو والمسجد من الداخل عبارة عن دور واحد أبعاده 16* 5 تقريبًا مبني من الحجر وسماكة الجدار حوالى 70 سنتمترًا وله باب واحد يتوسط الفراغ في الجهة الجنوبية، ويحتوي على أربعة شبابيك منها 2 من جهة الساحة، ومثلها من الجهة الشمالية مقدمة المسجد أحدها يفتح على المئذنة ويغطى السقف بألواح من شجر العرعر المحمولة على سواري من جذوع العرعر المحمولة على جدران الحوائط، وهناك بعض الزخارف المنقوشة على الخشب بشكل مميّز، وذات قيمة جماليَّة وتمَّت إزالة الجزء العلوي من السقف المكون من الطين، واستبدال ذلك بألواح من الخشب، ومن ثم صب الخرسانة على السقف بالكامل.
كما أن بسقف المسجد فتحة فوق المحراب مباشرة كانت تفتح للتهوية والإنارة في حال قراءة الخطيب، أو إمام المسجد وتسمّى (جوبة)، وفي الجدار الجنوبي قطعة بارزة من الحجر، وتستخدم لوضح الإنارة عليها (الفانوس)، أو (الشعلة).
أكثر من ثمانين عامًا وصوت المازني يباري الزمن بـ«الله أكبر»
كان وجودنا في قرية المخض، والمسجد التاريخي قرب صلاة العصر، وما هي سوى لحظات حتى وصل المؤذّن العم (أحمد مفرح المازني)، حيث يحرص حتى يومنا هذا على الوضوء من تلك البرك، ومن ثم جاء الإمام، وهو ابن المؤذّن، تمّ رفع الأذان ومن ثم أقيمت الصلاة وصلينا جماعة في هذا المسجد التاريخي العظيم بعد فراعنا من الصلاة أخذنا في الحديث مع مؤذن المسجد العم (أحمد مفرح)، حيث قال منذ أن كان في عمر العشر سنوات، وهو يرفع الأذان في هذا المسجد حتى يومنا هذا، وهو في عمر 96 عامًا أي أكثر من 86 عامًا وهو يؤذّن في هذا المسجد، وقال العم أحمد إنه يحرص على الوضوء لجميع الصلوات الخمس من هذا المسجد، حيث يقوم برمي الدلو داخل البركة العملاقة أسفل ساحة المسجد، وجلب المياه، ومن ثم صبها في مجرى الماء حتى تصل إلى البرك الصغيرة، ومن ثم يقوم بالوضوء، وقال العم أحمد إنه كان إلى وقت قريب ينادي للصلاة، ورفع الأذان من فوق المئذنة فوق المسجد، ويقول كان صوتي يصل إلى تهامة، ويسمعني الناس، ويأتون للصلاة، واليوم ورغم مكبّرات الصوات لم يعد أحد يسمع مثل السابق، وهو اليوم يؤذن من داخل المسجد عبر الميكرفون، ويقول العم أحمد إن المسجد قديم جدًّا، وتوارثناه أبًّا عن جدٍّ، وحتَّى يومنا هذا ولم يطرأ عليه شيء في الترميم، وله مدة كبيرة من آخر ترميم له، وهو باقٍ على حاله حتى اليوم، وقال هناك جامع كبير تم بناؤه في القرية، وتُقام فيه صلاة الجمعة، وهي الصلاة الوحيدة التي تبعدني عن هذا المسجد، حيث إن جماعة القرية أصبحت كبيرة، والمسجد صغير جدًّا، وكان من المهم إنشاء مسجد جامع في القرية. وقال يزور المسجد عدد كبير من السيَّاح من دول الخليج، والعالم العربي، وجميع أنحاء العام، يشاهدون هذا المسجد التاريخي القديم، ونحن نرحب بالجميع، ونقوم على ضيافتهم، والشرح لهم عن جميع محتويات هذا المسجد.
الإمام: وفد وزاري منعنا من ترميم المسجد
من جانبه قال إمام المسجد الحالي وهو ابن المؤذّن (مفرح أحمد المازني) إن المسجد قديم جدًّا، وهناك باحثون قدروا بناء المسجد عام 70 للهجرة، ولكن عندما نقض سقف المسجد، وجد بعض الكتابات على أنّه بُني عام 253 للهجرة، وقد يكون هذا تاريخ إعادة بنائه، والعلم عند الله. والمسجد بهذا يكون عمره أكثر من 1200 عام، مشيرًا إلى أن المسجد تعرض لانهيار جزء منه من أمام الباب، وأحد الشبابيك، وتمَّ العمل على إصلاح هذا الانهيار فقط، موضِّحًا أن هناك وفدًا من وزارة الشؤون الإسلاميَّة زار المسجد منذ فترة، وطالبوا بعدم التدخّل في المسجد من حيث الترميم، أو البناء، أو الإصلاح، وأخذوا تعهدًا علينا بذلك.
هذا ووجه إمام المسجد الشيخ مفرح أحمد المازني ووالده المؤذّن نداءً عاجلاً للجهات المعنيَّة، سواء في وزارة الشؤون الإسلاميَّة، أو هيئة السياحة والآثار بالوقوف على المسجد، حيث يعاني من بعض الانهيار، والخطر في الجزء القريب من باب المسجد، وأحد الشبابيك، وبدأ التشقق يظهر بوضوح، راجين تدخل الجهات المعنيَّة السريع وعمل ترميم سريع له حتَّى لا نفقد أحد أهم المعالم التاريخيَّة على مستوى المملكة العربيّة السعوديّة مشيرًا إلى أنه ووالده يتعهدون المسجد من وقت طويل، ويحتاج المسجد للرعاية والاهتمام والمتابعة المستمرة وتأهيل القرية القديمة بما فيها هذا المسجد الأثري التاريخي القديم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store