Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

أنهار اللهجات تصب في بحور اللغات (2)

ذَكرتُ بالأَمسِ، أنَّنا نَفرحُ بأَيِّ كَلِمَةٍ عَاميَّةٍ يَستخدُمها النَّاسُ، وهي تَمتَدُ في جذُورِهَا إلَى الفُصْحَى؛ لأنَّ رَوابطنَا اللُّغويَّةَ هي التِي بَقيت لَنَا، بَعد تَهلْهُلِ وتَآكُلِ الرَّو

A A
ذَكرتُ بالأَمسِ، أنَّنا نَفرحُ بأَيِّ كَلِمَةٍ عَاميَّةٍ يَستخدُمها النَّاسُ، وهي تَمتَدُ في جذُورِهَا إلَى الفُصْحَى؛ لأنَّ رَوابطنَا اللُّغويَّةَ هي التِي بَقيت لَنَا، بَعد تَهلْهُلِ وتَآكُلِ الرَّوابِطِ الدِّينيَّةِ والسِّيَاسيَّةِ، وتَزايُدِ الأطمَاعِ الدُّنيويَّةِ..!
مِن هُنَا دَعونَا نُكملْ مَا بَدأنَاهُ يَوم أَمس؛ مِن استعرَاضٍ لكَلِمَاتٍ عَاميَّةٍ هي فصيحَةٌ بالأسَاسِ، فمَثلاً:
- قَبيلةُ تَميمٍ تَقلبُ الهَمزَةَ عينًا فتَقولُ: «أنِّي»، بَدلاً مِن «عَنِّي»، وهو مَا يُسمَّى «العَنْعَنَة»، وتَقلبُ القَافَ كَافًا في حَالةِ الوقُوفِ، كَأنْ تَقول: «شَفيكْ»، بَدلاً مِن «شَفيقْ»، وتُبدِّلُ الكَافَ بالقَافِ مِن غَيرِ وَقفٍ، فتَقولُ: «قَشطت»، بَدلاً مِن «كَشطت»، وتُبدِّلُ السِّينَ بالصَّادِ فتَقول: «الصَّاق»، عَوضًا عَن «السَّاقِ».
وقَبيلةُ تَميمٍ نَفسهَا تَقولُ أيضًا: «مَديُون»، بَدلاً مِن «مَدِين»..!
وبالمُنَاسبةِ مَازَالَ تَبديلُ القَافِ بالكَافِ جَاريًا؛ في بَعض الأقطَارِ العَربيَّةِ أَيضًا، حَيثُ يَنطقُ أَهلُ العِراقِ «المُطلك» بالكَافِ، بَدلاً مِن «المُطلق» بالقَافِ، وبَعضُ أَهلِ فلسطينَ نَسمعُهم يَنطقُونَ «الكُدس» بالكَافِ، بَدلاً مِن «القُدسِ» بالقَافِ..!
- قَبَائلُ بَني سَعد بن بَكر، وهَذيل والأزد تَقولُ: «تُنطي»، عَوضًا عَن «تُعطي»، وهَذا مَا يُسمَّى بـ»الاستنطَاء»..!
- قَبيلةُ قُضَاعة تَقولُ: «النَّات»، بَدلاً مِن «النَّاسِ»، وهَذا مَا يُسمَّى بـ»الوتم»..!
- قَبيلةُ هَذيل تَقولُ: «عَلَّت»، بَدلاً مِن «حَلَّت»، وهَذا مَا يُسمَّى بـ»الفَحفحة»..!
- قَبيلةُ طَيّ تَقلبُ الأَلفَ المَكسورةَ وَاوًا، فتَقولُ: «أَفْعُو»، بَدلاً مِن «أَفْعَى»..!
- أَهلُ الحِجَازِ عمُومًا لَا يُميِّلون، وأَهلُ نَجد يُميِّلون، أَيّ يَعتمدُونَ الإمَالَةَ، وهِي صَوتٌ مَائلٌ إلَى الكَسْرَةِ، أَو إلَى الضَّمَّةِ..!
حَسنًا.. مَاذا بَقِي؟!
بَقِيَ أَنْ نَتأمَّلَ كَلامَ الدّكتورِ «محمد توفيق أبوعلي»؛ الذِي يَقولُ في كِتَابِ «رَوائع الأمثَالِ الشَّائِعَةِ»: (لَيسَ صَحيحًا مَا ذَهَبَ إليه البَعضُ، مِن أَنَّ اللُّغَةَ اللِّبنَانيَّةَ لُغَةٌ قَائمةٌ بذَاتِهَا، فهُنَاكَ وَجهُ شِبهٍ حَميم؛ بَينَ بَعضِ الأمثَالِ العَربيَّةِ الفَصيحةِ والعَاميَّةِ، ولَهجة المَتنِ في لبنَانَ، مِمَّا يُؤكِّدُ أنَّ لَهجةَ لِبنَانَ؛ تَشدُّهَا أَواصرُ مَتينَةٌ مَعَ اللُّغَةِ العَربيَّةِ)..!!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store