ندى الحارثي تستقصي «المثل الأخلاقية»

بمثل ما أولى الدكتور محمد بن مريسي الحارثي موضوع «الاتِّجاه الأخلاقي في النقد العربي» العناية في دراسته الأكاديميَّة، وقيَّدها في كتاب حمل العنوان نفسه مع تحديد الفترة الزمنيَّة «حتَّى نهاية القرن السابع الهجري»، وقدمه ضمن مطبوعات نادي مكة الثقافي الأدبي، جاءت خطى ابنته الباحثة الدكتورة ندى محمد الحارثي، أستاذة الأدب والبلاغة بجامعة أم القرى، التي أقرَّت بتأثر والدها عليها في مسارها الأكاديمي ودوره الكبير في توجيهها -هي وإخوتها- في المسار البحثي، مبيِّنة أنَّ أخويها الدكتور منصور، والدكتور مازن كليهما سار على نهجه، وبقية الأسرة، كذلك من حملة بكالوريوس في اللغة العربيَّة وآدابها. ويظهر تأثر «ندى» بوالدها في تدرجها الأكاديمي، حيث أولت موضوع المثل والفضائل الأخلاقيَّة في الأدب العربي عامَّة، والشعر خاصة، جُلَّ اهتمامها، منذ مرحلة الماجستير حيث استجلت هذه المعاني من كراسة الشاعر ابن الرومي، وجاءت رسالتها بعنوان «تعالق المدح والعتاب في لاميَّة ابن الرومي الطويلة في مدح علي بن يحيى النديم»، وواصلت نهجها في ذات المسار لنَيل درجة الدكتوراة، وقد اتَّخذت الشاعر أبا تمام نموذجها في رسالة بعنوان «المُثل الأخلاقيَّة في مدائح أبي تمام، مصادرها، وتشكيلاتها الجماليَّة»، معلِّلة هذا الاختيار بقولها: اختياري لأبي تمام تحديدًا جاء لما يتمتع به شعره من وفرة في الفضائل الأخلاقيَّة متأثرًا بالنزعة الإسلاميَّة، ومتبنيًا لفكرة إصلاح الشعر للمجتمعات بما يبثه في ثناياه من حمولات فكريَّة كما في قوله:

ولولاَ خلالٌ سنَّها الشعرُ ما دَرَى

بغاةُ النَّدَى مِن أينَ تُؤتَى المكَارِم

وعن الهدف من هذا البحث تجيب الحارثي: لم أكن أهدف بداية إلى تسليط الضوء على شعر الشاعر؛ فهو غنيٌّ بالدِّراسات حوله وحول شعره، وإنَّما في ظل الحراك الإعلاميِّ المتَّجه في خطابه إلى المجتمعات، كنتُ أهدف إلى الإشارة نحو تأثير الخطاب العربي في جانبه الشعري إلى صناعة مجتمعات وفق معايير أخلاقيَّة تمثَّلت في مدح الشاعر، سواء وافق الحقيقة للممدوح، أم الحقيقة المتخيَّلة الموجَّهة له.

وتشير «ندى» إلى أنَّها توصلت من خلال البحث إلى مجموعة من النتائج والتوصيات، من أبرزها:

- إنَّ قيمَ الفضيلة، والمثلَ الأخلاقيَّة بأنواعها كانت وستبقى المادةَ المعرفيَّةَ المهيمنةَ على قضايا قصيدةِ المديح العربيَّة من خلال تتبُعِنا لسيرورةِ المثل منذ العصر الجاهلي، حتَّى قصيدةِ أبي تمامٍ المدحيَّة.

- أبرز ظواهر المُثل الأخلاقيَّة في مدائح أبي تمام بروزُ الروحِ العربيَّة الإسلاميَّة المعبِّرة عن هويَّة الأمَّة تعبيرًا صادقًا.

- ظهورُ الوجهِ المشرقِ للحضارة العربيَّة المسلمة في مقابل الوجه غيرِ الحسنِ للحضارة الفارسيَّة، التي حمل لواءَها المشاهيرُ من الفرس ممَّن دخل في دين الله من أمثال الأفشين، وبابك الخرمي.

- تنوُّعُ المصادر للمُثل الأخلاقيَّة، ويمثِّلُ المصدرُ الشرعيُ أصالةَ تلك المثل، وأكثرُها حضورًا في شعر المديح، وهذا المصدر جدير بوقوف الدِّارسين عليه نتيجة وفرة مادته.