Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حسن فتيحي

حكمٌ وحِكمة

شمس وظل

A A
تجري أقدارنا كما يريدها الله.. ولكل حكمٍ منه جل وعلا حِكمة لا نراها.. نسير في طريق مسيّرين فيه.. ونظن أن ذلك خيارنا..

والحقيقة أنه لم يكن لنا خيار.. فلم نقرر والدينا ولا أشكالنا ولا ألواننا.. ولا يوم ولادتنا.. نسير وفق ما يريده الله لنا..

منذ أن أنهيت الابتدائية.. لزمت العمل في محل الوالد في سوق الحراج.. أوجبت عليَّ الظروف التي يمر بها والدي أن أكون في المحل.. أُمارس البيع والسبك والتنظيف.. وكل ما يستحقه مني المحل.. صباحًا في المدرسة.. وعودة إلى المحل حتى نصلي العشاء..

كان الكور دائمًا والفحم عليه.. والبوتقة في داخله.. وأعمل بيدي أمام الحرارة التي تصهر الفضة والذهب لاحقًا.. في درجة حرارة مرتفعة تتجاوز 1000 درجة مئوية..

الحراج أمامي.. والدلالون يبيعون كل قديم من العفش «الأثاث».. إما للاستغناء عنه من أصحابه أو للحاجة لبيعه..

وأرى بأم عيني المزاد على القطع.. وربما صاحبها أو صاحبتها تراقب البيع.. وينتهي بالدعاء للمشتري والدلال.. مع دمعة عين منها أو ابتسامة رضا..

هناك مشكلة عند البائع ببيعه الأثاث ووقوفه عليه.. وانفراج همّه عندما يتم البيع..

وأحيانًا هناك أشياء لا تباع ولا يرغب فيها المشترون الكثر.. ونرى انكسار صاحبها أو صاحبتها وكل منهما يردد: «لا حول ولا قوة إلا بالله» اللهم فرجها..

وأحيانًا أرى بعض التجار الميسورين أثناء سيرهم.. وملاحظتهم يساهمون في الحراج.. واستغرب شراءهم لحاجات ليست لها فائدة عندهم أو لا تليق بهم.. واكتشفت بأنهم يشترون ذلك جبرًا لخاطر البائع وفك أزمته..

في الحراج.. عندما يحتاج أحدهم لبيع الذهب.. يعطيه للدلال الذي يدور على الصاغة الموجودين في السوق.. ويتحصل على أعلى سعر ممكن بمزايدة نظيفة لا غش فيها ولا خداع ولا مجاملة..

تعددت أماكن نشاطي.. من نيويورك إلى لندن وجنيف وميلانو.. أسير هنا وهناك.. أفشل وأنجح.. وعزيمتي لا تعرف الكلل.. ولا أعرف إلى أين سأكون..

وقدَّر الله لي أن أكون أحد مشاركي المزادات العالمية.. وبتجربتي السابقة في الحراج.. رأيت المزادات العالمية وشاركت فيها وتفوقت..

ولقد كان قدري السابق.. وحكم الله لي في ذلك لحكمة أن أكون هنا ممارسًا.. ودخلت موسوعة جينيس للمزادات العالمية..

لا فرق بين الحراج وبين المزاد العالمي إلا في أشكال الدلالين هنا وهناك.. فالبساطة بالفوطة أو الثوب الملون في جدة.. والأناقة والكرافته الراقية هناك..

وبالتأكيد بأن هنا أنظف وأجمل وأنصع بما في داخلهم.. فلقد تعلمت العطاء والإنسانية من هنا..

كم كانوا عظماء.. رحمهم الله.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store