Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

في ضيافة بيت

No Image

A A
أهرب من يديني وصمت الشبابيك

وأتعثر بخوفي قبل مآصل الباب (*)

يأتي الشعر كشمس ساطعة تمنح الحروف ما يلزمها من نور وحياة لكنه لا يغفل أبدًا عن مكامن الذعر التي تعيد ترتيب الضوء، فتخرج خيول الشعر منطلقة لا تعرف التوقف، متدفقه لاتعرف حدود، فيركض الحرف في دروب لا تستكين حتى تولد القصيدة فعندما يهيم الشاعر في روابي الشعر يكون مناخًا من نبضه ودمه يتماس مع ذاته ومع ما حوله يضع الكلمة في مكانها الملائم بحيث تكون مستقرة لا عابرة وبمشهد يوميء دون أن يعبر ويشير دون أن يصف، هنا اختار شاعرنا الخوف كلغة حركية تعبر عن دلالات عميقة برسالة غير منطوقة تحرك الذات في محور يتعاقب ويشكل تيمة يهرب منها وإليها فهي تكشف دوافع انفصال الذات عن نفسها في لحظة تخوض فيها معركة حامية ببسالة تحفها هواجس شعرية ساخنة هيمنت بخوفها كلقطة سينمائية دارت عدستها لتلتقط حدثًا انتفضت منه الصورة وضجت على إثره الجماهير، باستعارة بليغة وصلت ذورة الخوف لتهزنا من جذورنا مكهربة وممتعة رغم كل ما لحقها من فزع ورعب، ولتنزلق بعد ذلك خيوط الوجل هاربة بالصمت بينما الكاتب يعود يجمع أشتاته الأخيرة من كل المنافذ معتليًا محراب الشعر ملوحًا براية الفوز، هكذا حين يشتد بالشاعر القلق يطوف بأرجاء المكان باحثًا عن منفذ أو باب أو فجوة آمنة يستكين فيها منشغلاً في لملمة ذاته وإعادة توازنها النفسي فذات الشاعر تجيد التعامل مع الخوف وتصل بالشعر لسقوف الأمان لتشكل البنية الثابتة والنسق الذي يرتبط بهذا الثبات ضمن تلك البيئة وتحت لظاها، فالداخل الإنساني يتقد ويهجم على الشعر كنمر الغابات فيحاول الشاعر الخروج من سياج الحياة العادية ويلتقط اشد مفاتنها لينصب كمائنه ويتهيأ للمحرض، وما أكثر ما تذهب بنا إلى أفكار مدائن مشوشة مقلقة مخيفة متناقضة تتقلب بين الاستقرار النفسي وبين الخوف مما يجعلنا نعود الى مكنون أنفسنا ونرى ذاتنا البشرية كيف تلامس ذلك الشرر ومع ذلك تمر بنا الحياة دون أن يلحظها الآخرون، يتلظى منها الشاعر، لكنه الدواء الذي يسكن الوجع ويصد جحافل القلق الذي يمزقه ويكسبه نظرة حادة حدسية مجهرية تلتقط كل الدقائق وتروضها وتخلق منها نوافذ مشرعة للريح وأبواب فاتحة ذراعيها لكل قادم حتى لو كان ذلك القادم هو الخوف ذاته، فثمة شعور يتحرك بقلق، إن عنده أو عند القارئ لمراقبته، نترك له النوافذ والأبواب مشرعة لكي يبثها شكواه ويأخذ بيدها تحسبا لغدرات الصدود و مفجاءات الآتي الذي قد يباغت في أي لحظة، لذلك نلاحظ بأن الخيط الناظم لهذه الحالة هو الذعر والتوجس والفزع وهي محركات تفضي لمعانقة النوافذ واحتضان الأبواب بغية امتطاء مراكب الكلمة والإبحار بإصرار وعزيمة والبحث بالتالي في لجة هذا اليم عن رفيق الدرب، الشعر، الذي به يزول الخوف ويجعله يتحمل الصعاب وهو أنيسة وملاذه الذي يسكنه ويرتديه ليثبت فؤاده كضمير متكلم يدور ويتقمص كل الشخوص مراوغًا رشيقًا يلامس ما ينهكه ويشغله في براعة، منطلقًا من دوافع شعرية وفكرية تروم الإبداع في كل منعطف ما أحدث هذا التأثير والقوة اللامرئية والتي تحفزه وتدفعه لرصد اللحظات الخصبة واقتناص الذعر وتحويله لطاقة فاعلة، في تحليل وتأمل بعيدي المدى للخروج من سياج الحياة العادية والتقاط أهم مفاتنها والسباحة في فضاء واقع يسري كالنسيم بين الحنايا..

* البيت للشاعر/ عاطف الحربي

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store