Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

ندوة الأمن الفكري في الجامعة الإسلامية

A A
إنَّ الأمنَ الفكريَّ يُعتبرُ الركيزةَ الأولى لاستقرار الأمم، ودعتها، وعيشها المطمئن، وينطبقُ ذلك على أمم الأرض عامَّة، وعلى أمَّة الإسلام خاصَّة، ففي ظلِّ ظهور مذاهب متنوِّعة، ونِحَل مختلفة، وانتشار ظاهرة الغلوِّ، والتشدُّدِ، والتطرُّفِ خلال العقود القليلة الماضية، تعرَّض الأمنُ الفكريُّ في أمَّة الإسلام للكثير من الاضطراب، وتربَّصت بالأمَّة جرَّاء ذلك مخاطر شتَّى، وبليَّات تترَى، وأدَّى الخللُ في الأمنِ الفكريِّ، الذي تسبَّب فيه بعض أعداء الأمَّة -وإن كان بعضهم من بني جلدتها- في نشوء جيلٍ من الشبابِ منقسمٍ بين متزمِّتٍ ومتزندقٍ، وصناعة الوسطيَّة، واختفى الاعتدال، وتحوَّل ذلك على أرض الواقع إلى تنافرٍ وتناحرٍ بين بني الأب الواحد، فشهدنا حوادثَ التَّكفير، والإقصاءِ، والتَّفجير، وابتُلينا بالدَّواعش من جهة، والحشود الطائفيَّة من جهة أُخْرَى، ومثَّل ذلكَ صيدًا ثمينًا لأعداء الأمَّة، فوسموا، ووصموا الإسلامَ وأهلَه بالإرهابِ، والرجعيَّةِ، ونبذِ الآخرِ، وانغلاقِ الفكرِ، والعيشِ خارج الجغرافيا، وخارج التَّاريخ.

وكلُّ تلكَ الأحداثِ الجِسام كان يمكن تفاديها، لو عُزِّز الأمنُ الفكريُّ بكلِّ السُّبل والوسائل الممكنة، من دعويَّة وفكريَّة وتربويَّة وسياسيَّة، بل وتقنيَّة وإعلاميَّة، ولترسيخ هذه السبل والوسائل، تصدَّت (الجامعة الإسلاميَّة الأولى) في العالم الإسلاميِّ، التي تستحقُّ هذا اللقب بجدارة، من المدينة النبويَّة المشرَّفة، بجمع ثُلَّةٍ مختارةٍ من علماءِ الأمَّة الكبار؛ لتحديدِ دورِ المسجد النبويِّ الشريف في تعزيزِ الأمنِ الفكريِّ، إذ نظَّم كرسي دراسات المسجدِ النبويِّ الشريف بالجامعةِ الإسلاميَّةِ بالمدينة المنوَّرة ندوةً حول هذا الدورِ الحيويِّ للمسجدِ النبويِّ، انعقدت بقاعةِ الملك سعود بالجامعةِ يوم الأربعاء 22 رجب 1438هـ، بالتَّعاون مع الرئاسةِ العامَّة لشؤون المسجدِ الحرام، والمسجدِ النبويِّ، وشارك في الندوةِ عددٌ من العلماءِ، والأكاديميين، وأئمة الحرمين الشريفين، يتقدَّمهم معالي الرئيس العام لشؤون المسجدِ الحرامِ، والمسجدِ النبويِّ الشيخ الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، الذي افتتح الندوة بكلمةٍ ضافيةٍ، جمعت كلَّ جوانب الأمنِ الفكريِّ، ووصفت أخطارَه، ورسمت خارطةَ طريقٍ لتعزيزِهِ، وممَّا جاءَ في كلمة معاليه: الأمنُ الفكريُّ هُو صمامُ الأمانِ، وطوقُ النَّجاةِ الذي يجبُ الاعتناءُ بهِ في تحصينِ الشبابِ والشاباتِ من كلِّ قرصنةٍ فكريَّةٍ، أو سمسرةٍ ثقافيَّةٍ، أو لوثاتٍ إرهابيَّةٍ، أو تسلُّلاتٍ عولميَّةٍ تهزُّ مبادئَهُ، أو تخدشُ قيمَهُ، أو تمسُّ ثوابتَهُ، كمَا أوضحَ معالي مديرِ الجامعةِ الإسلاميَّةِ الدكتور حاتم بن حسن المرزوقي أنَّ مبادرة الجامعة الإسلاميَّة بتنظيم هذه الندوةِ كانت للإسهام في التَّأصيل الشرعيِّ لمفهوم الأمنِ الفكريِّ، وبيانِ الدور المهم للمسجدِ النبويِّ في تعزيز الأمنِ الفكريِّ عبرَ العصورِ الإسلاميَّةِ، وصولاً إلى الدورِ السعوديِّ الكبير في هذا المجال، وبيَّنَ الدكتور سليمان بن عبدالله الرومي أستاذ كرسي دراساتِ المسجدِ النبويِّ الشريف أهميَّة الأمنِ الفكريِّ بقوله: إنَّ الأمنَ الفكريَّ هُو طريقُ استقرارِ الأممِ والمجتمعاتِ، فلا يمكنُ أنْ تستقرَ الأممُ إلاَّ بمحاربةِ جميعِ ظواهرِ الانحرافاتِ الفكريَّةِ، فالأمنُ الفكريُّ هُو الأساسُ الأهمُّ في تحقيقِ الأمنِ بمفهومهِ الشاملِ، وقد صدرتْ عن هذه الندوة الكُبرَى توصياتٌ عمليَّة كثيرة، يمكن اعتبارها وثيقةً تأريخيَّةً لتعزيزِ الأمنِ الفكريِّ في المملكةِ خصوصًا، والعالَمِ الإسلاميِّ عمومًا، منها الإفادة من مضامين خُطب الحرمين الثريَّة بمضامين الوسطيَّة، والعمل على نشر الخُطب التي تُعنَى بقضايا الأمنِ الفكريِّ، وترجمتها إلى مختلفِ اللغات، والاستفادة من وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ في تعزيزِ الأمنِ الفكريِّ، وسوى ذلك من التوصياتِ المتضمِّنة لآليَّاتِ تنفيذٍ دقيقةٍ مستمدَّة من الأوراق العلميَّة التي قدَّمها العلماءُ المشاركُونَ.

لقد أحسنت الجامعةُ الإسلاميَّةُ -كعادتها- في عقدِ هذه الندوةِ العالميَّة بكلِّ المقاييس في موضوع الساعة: الأمن الفكريّ. وستفيد كلّ الجهاتِ المختصَّة داخلَ المملكة وخارجها -إن شاءَ اللهُ- من مخرَّجاتها وتوصياتها التي تحملُ الكثير من الجديد والمفيد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store