صناعة الثقة بالقانون

رئيسٌ تنفيذيٌّ مُتَعجرفٌ ومسيطرٌ، يكرهه زملاؤه ومنتسبو الشركة التي يرأسها.. لا يقبلُ الرأيَ الآخرَ، ولا يترددُّ في إهانةِ مديري الأقسام علنًا..

انتقلَ به الحالُ من الشركة إلى البيت، وأصبح عدوانيًّا جدًّا في تصغير واحتقار الآخرين..

لقد أعطاه هذا الشعور من الخارج، الذي كان يكيل له الثناء والمديح؛ بسبب أسلوبه الذي يرونه قويًّا وغيرَ تقليديٍّ..

فقد رأى هذا التنفيذيُّ للشركة العملاقة المُنتجة الرابحة أنَّ الاستغناءَ عن بعض أقسام الشركة، وتخفيض العمالة هو تطوير لعمل الشركة، وزيادة ربحيَّتها، وسَيُبعد عنها خطورةَ الخروج من السوق، وتدمير سمعتها وقدرتها على المنافسة..

لم يخطر ببالِ التنفيذيِّ المتعجرفِ أنَّ مبيعات الشركة قد انخفضت، وبالتالي انخفضت أرباحها.. إنَّما كان يُعزي ذلك إلى الأزمات الماليَّة، وضعف القوَّة الشرائيَّة، وزيادة حجم المنافسة.. ودخول شركات أخرى بأسعار تقلُّ عن أسعار شركته، وأنَّها لا توازي جودتها..

عاش مبررًا ذلك حتَّى فوجىء بالأرقام التي لا تناسب ما يطمح إليه.. فلجأ إلى الاحتيال والتدليس، واكتُشِف بعد ذلك، ممَّا أدَّى إلى إفلاس الشركة وخروجها.. ولم تستطع أن تسدد ديونها، وتحصَّل الدائنون على أقلِّ من 35% من ديونهم، وحُرِم المساهمون من أن يستلموا حقوقهم..

لقد قام هذا بالإجراء الأسوأ في عالم التزوير والاحتيال، واقتنع في داخله أنَّ الظروف التي ستأتي لاحقًا سوف تَمْحو الآثار المترتبة، واقتنع وبرَّر لنفسه أنَّه القادرُ أنْ يجعلَ الآخرين يحبذونه ويمتدحونه..

كانت خطته التي مُنِيَت بالفشل تفتقر إلى أخلاقيَّات وفضائل العمل التجاري المتعارف والمتوارث للشركة العملاقة التي يرأسها..

لقد خلط الأمور الماليَّة ومراجعها، فقد استعمل حسابات وهميَّة على العملاء، ووضعها ضمن حسابات الشركة وهي غير متوقع منها السداد..

ورفع نسبة الربح إلى أكثر من الضعف، وذلك بإعادة تقييم المخزون.. وأشياء كثيرة لا مجال لذكرها لضيق المساحة..

كانت النتيجة أن ذهب ومعه شركة المحاسبة التي أهملت متابعتها.. وأصبح مثلاً يُذكر لمَن أراد أن يتلاعب.. وأصبحت شركات المحاسبة أكثر حزمًا وتدقيقًا.. وأصبح الرؤساء أكثر تواضعًا وعطاءً، واختفى الثناء واحتل مكانه الهجاء..

وصدر القانون الذي يحمي حقوق المساهمين والشركات من الانهيار، وكان صارمًا وحازمًا ومكلِّفًا، وبذلك حلَّ القانون مكان الثقة، واحتفظ بحقِّه في صناعة الأخلاق..

ما ذكرته ليس شركة واحدة فقط، وقد كتب المؤلِّف الدكتور سيسيل جاكسوني، كتابًا رائعًا في هذا الموضوع بعنوان: «الوقائع الكارثيَّة للتقارير الماليَّة».