Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
سالم بن أحمد سحاب

في وداع رمضان!

ملح وسكر

A A
وهكذا رحل رمضان هذا العام، وهو يقينًا سيعود، وكثير -في يقيننا- لن يكونوا في استقباله، إذ سيطويهم الثرى، وينساهم الصحب والأحبة، وهم في حياة البرزخ متقلبون، منهم شقي وسعيد!

والناس فئات في وداع رمضان، ولا يغرنَّك ازدحام المساجد في لياليه الكريمة، فالعبرة بما بعده، والأثر فيمن حسن خلقه، فأغلق مثلاً أبوابًا كانت (بالنسبة له مفتوحة) من الظلم، والاحتيال، وأكل أموال الناس بالباطل، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم.

ومن الناس من يرى في رمضان ضيفًا ثقيلاً يرتدع فيه عن كثير من المنكرات والفواحش على استحياء، ولذا يهمُّه جدًّا رحيل رمضان، بل ربما كان لسان حاله يقول:

رمضان ولَّى هاتها يا ساقي

مشتاقة تسعى إلى مشتاق

وهو بيت قاله أحمد شوقي، فاعترض عليه بدافع الغيرة الشيخ محمد متولي الشعراوي، وكان شابًا -آنذاك-، فقال لشوقي: إنَّ لنا عليك عتابًا. فسأله شوقي: فِيمَ العتابُ؟ قال: ما هي حكاية (رمضان ولَّى هاتها يا ساقي)؟ فضحك شوقي كثيرًا، وقال: ألستم حافظين للقرآن الكريم؟ فقال: بالطبع نحفظه. فقال: ألا تتلون الآية: (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُون* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُون* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ). فأسقط في يد الشيخ -رحمهما الله-.

وآخرون يعودون لما كانوا عليه قبل رمضان، فهو مجرد موسم وانتهى. وهؤلاء هم الأغلبية التي تضرب في الأرض سعيًا وراء رزقها، ولقمة عيش صغارها.

وفئة فرحت بقدوم رمضان، وسعدت بما قدمت من أعمال خير ضافية، تولّدت بفضل رمضان، فكان لها الحافز الأكبر، والمحرك الأعظم. هؤلاء يودِّعون رمضان بحفاوةٍ كما استقبلوه بحفاوة: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ). فرحة عند الصيام، وفرحة عند الإفطار.

وآخرون والعياذ بالله يصومون عن المفطرات الحسيَّة، لكنهم لا يمسكون أبدًا عن المفطرات المعنويَّة، وهي أشد وأنكى. وربما قضوا شطرًا كبيرًا من رمضان يحيكون المؤامرات، ويفترون على الله الكذب تحت شعارات زائفة، من مزاعم العمل الصالح الذي يقرّبهم من الله، وهم ربما كانوا عنه أشد بعدًا حتَّى من كبار العصاة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store