Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالله الجميلي

نائم.. فراشه الشقاء ولحافه الضوضاء

A A
* قبلَ أيامٍ، وأثناء تجوالي ليلاً في أحد ميادين القاهرة، استوقفنِي مَشْهَدٌ، منه اختنقتْ عينايَ بدموعِهَا؛ فالمكانُ مزدحمٌ بأصنافِ البشرِ، والعيونُ إليه تُسابقُ النظرَ، والأصواتُ مرتفعةٌ حَوله، رغم قرب وقت السَّحَر، أمَّا هُو فكان في عالَمٍ آخرَ من دنياه، إنِّي أنظرُ إليهِ الآنَ، شَابٌ ينامُ علَى الرصيفِ، لا يفصلُ بينَه وبينَ جِسمِهِ الهزيلِ إلاَّ قطعةٌ من كرتونٍ.

* البراءةُ تكسُو محيَّاه، مستغرقٌ في نومِهِ، وشَخِيره يملأ أنفَه وفَاه، وربما لا يملك من دنياه إلاَّ متعة نَوْمَتِه تلك التي قد يكون استسلمَ لها محرومًا من عَشَاه.

* نظرتُ إليه طويلاً، وتعجبتُ كيف يغْرقُ هذَا في نَومِه، وفِرَاشه الفقر والشَّقَاء، ولحافه الضوضاء؟!؛ بينما هناك مَن يملك الملياراتِ من الدولاراتِ، أو الجنيهاتِ، أو الريالاتِ، والعديدَ من الأراضي والبناياتِ؛ ولكنَّه لا ينامُ إلاَّ بجُرْعَة من الحبوبِ المُسَكِنَاتِ.

* أعتقدُ أنَّ السبب راحة بَالِه، وأنَّه لا يحملُ في قلبه حقدًا ولا حَسَدًا، ولأنَّه باتَ ولم يظلم أَحدًا، سِرُّ هدوءِ نفسِ ذلك الرَّجُلِ كونه خارجَ حلبةِ السباق على جمع المالِ؛ فلا يهمُّه في شيءٍ، فما يبحثُ عنه مجرَّد لُقَيماتٍ لِيَومِه.

* صورة ذلك الفتَى التي لا تُفارقُ ذاكرتِي، تؤكِّدُ أنَّه مهمَا تَعَالَى الجَاهُ، وكُثُر المالُ؛ فإنَّه لا يجلبُ السكينةَ والسعادةَ؛ فصَادِقَةٌ تلكَ الأقصوصة التي تقولُ: إنَّ رجلاً دفعَ ثروتَهُ الكبيرةَ في كأسٍ صغيرٍ من الماءِ؛ إذْ قَدَّم نصفَهَا، ثمنًا له عندَمَا أصابَهُ العَطشُ؛ ثمَّ بُعيد ساعاتٍ اضطرَ لدفعِ باقيهَا لطبيبٍ يُخَلِّصه مِن احتباسِ ذلكَ الماءِ الذي شَربَهُ في جَسَدِهِ.

* حَالُ ذاكَ الشابِّ وهدوءُ نفسِهِ، رغم معاناتِهِ تنادينَا لِنجعلَ القناعةَ عنوانًا لنا، ولِنُعِيدَ النظرَ في علاقتِنَا بغيرنَا؛ لنبنيهَا على أساسٍ متينٍ من الودِّ والنقاءِ، وأن نسعَى دائمًا في الخيرِ؛ فأحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للنَّاسِ.

* (والعِيْدُ) الذِي بشَرنَا به شهرُ رمضانَ المبارك فرصةٌ للمراجعةِ؛ ولفتحِ صفحاتٍ جديدةٍ من حياتنَا وتعاملاتنَا، فسعادةُ الإنسانِ تتلبسُه ولا تفارقُه إذا عملَ علَى مساعدةِ الآخرين، ونشِط في زرعِ الابتسامةِ داخلَ أرواحِهم؛ فالدِّيْنُ المعاملَةُ.

* (كلُّ عامٍ وأنتُم جميعًا بخيرٍ، وطريقُكم ناجحٌ في العطاءِ، وكلُّ عامٍ ووطننَا الغالِي ينعمُ بالأمنِ والأمانِ، في ظلِّ حكومتِنَا الرشيدةِ، بقيادةِ مَلكِ الحَزمِ والعَزمِ سَلْمَان).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store