Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

في الأزمة القطرية.. الوسطاء يمتنعون

A A
بعض الأزمات جاءت لتبقى، وبعضها جيء به لتفجير أوضاع، أو لتسويغ حلول، أو لاستدعاء أفكار ما كان لها أن تمر لولا تلك الأزمات.

هل الأزمة القطرية في ضوء ما تقدم، هي أزمة تفجير أوضاع؟.. أم تسويغ حلول ؟.. أم تمرير أفكار؟.. أم أنها أزمة لاستنزاف طاقات المنطقة وتطويق طموحات شعوبها، وكبح سرعات نهضتها؟..

أياً كان تصنيف الأزمة، فإن من سارعوا الى مسرحها من خارج الإقليم، قد تباروا في منح الأزمة قبلة الحياة، وأتاحوا لها من عوامل التفجير والاستدامة، ما يكفي لاحتلاب المنطقة، واستنزاف طاقاتها.

بدون أدنى تدخل من أطراف دولية، أو إقليمية، كان يمكن أن تنتهي الأزمة بالحل السعيد الذي يعيد قطر إلى محيطها، ويحقق لكافة دول الخليج العربية، مطلبها في الأمن والاستقرار، والتفرغ للتنمية بمعناها الشامل.

لكن تدخل الوسطاء الدوليين الذين سارعوا الى عرض وساطتهم في الأزمة، ربما أعطى رسالة خاطئة للحكم في قطر، ظنها انحيازاً لسياساته ودعماً لدوره في تقويض استقرار الإقليم.

يظن الحكم في قطر أن استدعاء سلة حلفاء، وسلة شفعاء، الى الإقليم، قد يساعده على تجاوز الأزمة دون استئصال أسبابها عنده، لكن طبيعة الأزمة ، لا تسمح لأي من الدول الأربع بأدنى تراجع عن مطالبها الأساسية.

التهديدات الوجودية التي أنتجتها السياسة القطرية تجاه الدول العربية الأربع ( السعودية-مصر-الإمارات- البحرين) بدعم جماعات عنف، أو حركات معارضة بعضها مسلح، هي ما استدعى تصعيداً رباعياً، كان قد مد حبال الصبر لسنوات، مؤملاً بأن يعود الحكم في قطر إلى رشده، وأن يفي بتعهدات والتزامات، التف عليها مراراً وتكراراً.

تاريخ المنطقة وجغرافيتها وتراثها، يزود السلوك السياسي لدى دولها بكوابح ذاتية، ساهمت مراراً في منع حدوث أزمات كبرى، أو حتى في تطويقها والتغلب عليها وتجاوزها، غير أن عربة الحل في الأزمة القطرية لا تملك ترف الرجوع الى الخلف، وإن كانت تستطيع بالطبع المضي قدماً إلى الأمام.

استيعاب الكويت لبيئة الأزمة، جعلها الأكثر رغبة في التدخل بالوساطة من أجل إنهائها، لكن الحكم في قطر سارع مبكراً الى تسريب المطالَب الرباعية، متعمداً افشال الوساطة الكويتية، ثم راح يستدعي كل عوامل الاستفزاز، بإدخال قوى إقليمية كتركيا وإيران على خط الأزمة.

بعض من دخلوا على خط الأزمة، أرادوا الإمساك بطرف خيط منها، لا بقصد حلها، وانما بقصد التأثير في حركتها ووجهتها وإيقاعها.

دخول أطراف دولية وإقليمية على خط الأزمة، بدعوى الوساطة أو التهدئة، قاد القطريين الى سلسلة من الاستنتاجات الخاطئة، ظنوا بمقتضاها، أن بوسعهم الخروج منتصرين.

حتى الآن فإن جهود الوساطة الدولية في الأزمة، قد ساهمت في تعميق أسبابها، حين ظن القطريون أن تعدد الوسطاء يمنح الدوحة فرصة للرقص فوق حبال وساطتهم، وحتى الان أيضاً، لا يبدو أن أياً من الوسطاء الدوليين كان معنياً بإنهاء الأزمة قدر اعتنائه بالاستفادة منها وإعادة تدوير مكونات استدامتها على نحو أو آخر.

في تقديري، فإن لا نهاية للأزمة ما لم تنتزع مسبباتها، على الجانب القطري، وفي تقديري أيضاً، فان فرص بلوغ تلك النهاية مرهونة بأمرين:

الأول: قدرة دول الرباعية على اقناع الأطراف الدولية الوسيطة، بإنهاء وساطاتهم، وترك الأزمة تديرها قيم الإقليم في إصلاح مروق بعض أطرافه، بآليات لا ينبغي أبدا أن تلامس سقف الاستخدام المباشر للقوة .

الثاني: إدراك أن حل الأزمة وفق رؤية الدول الأربع، يقتضي نفساً طويلاً، وعملاً منهجياً، حسن التخطيط، يعتمد آليات للتصعيد المرن، يجري التوافق عليها بين الدول الأربع، ويستهدف اعادة بناء نظام للأمن الإقليمي العربي لا يسمح لنموذج الأزمة القطرية بالتكرار.

ما ينبغي أن يكون هدفاً عاجلاً للرباعية العربية هو استعادة ملف الأزمة من وسطاء دوليين، اعتبرها بعضهم فرصة للتربح أو الاستثمار على حساب إقليم قيد الاستنزاف.

قولوا شكرًا للوسطاء الدوليين في الأزمة القطرية .. سعيكم مشكور.. دعونا في منطقتنا ننقي شوكنا بأيدينا.. لا تدعوا جهود الوساطة تبعث برسائل خاطئة للحكم في قطر، لن يكون من شأنها سوى استدامة أسباب الأزمة وإطالة أمدها.

التمسك بالمطالب، واتباع سياسة النفس الطويل، وانتهاج سياسة التصعيد المرن ضد الحكم في قطر -خطوة واحدة لا أكثر في كل مرة- وتحريك بعض ملفات الأزمة أمام مجلس الأمن الدولي، مع توجيه رسالة شكر مبكرة للوسطاء الدوليين.. كلها خطوات سوف تسهم في إسكات مصادر التهديد من قطر، وإعادة تصحيح الخلل الهيكلي في بنية الأمن الخليجي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store