Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

الفساد في المجتمع الوظيفي

A A
استحوذت اضطراباتُ المجتمع الوظيفي ومشكلاتُه الإدارية على اهتمامي منذ سنوات، نتيجة تجارب شخصية ومعلومات موثـّقة، وعدد كبيـر من القصص والأحداث والمُشاهدات، التي تُـشير إلى خللٍ واضح في المنظومة الإدارية، والتنظيمية، والأخلاقية، والسلوكية، للبيئة الإدارية في معظم المؤسسات، وما ينتج عن ذلك من تدهورٍ عملي وتأخّرٍ حضاري، يؤثر بشكل سلبي على الحقوق والواجبات الوظيفية، ويفتحُ المجال واسعـًا لمزيدٍ من مظاهر الفساد الإداري كالاستغلال الوظيفي، وانتشار الواسطة والمحسوبية وإهدارِ الأوقات والأموال وضياع الحقوق أو تأخّرها.

وجاء في تعريف «منظمة الشفافية الدولية» للفساد الإداري أنه: «كلُّ عملٍ يتضمّن سوء استخدامِ المنصب العام لتحقيقِ مصلحةٍ خاصة ذاتيةٍ لنفسه أو جماعته».

وتكمُن المشكلة في اجتماع عددٍ كبيـرٍ من الناس وتوافقهم على انتهاج طرق الإفساد الإداري، وتبنـّي أساليب العبَث النظامي، ليُكوّنوا بذلك منظومة مُتّصلة، وسلسلة طويلة من الإجراءات الشكلية البيروقراطية، يقف خلفها موظفون فاسدون سلوكيًا، يُديرونها لمصالـح شخصية بشكل يكاد يكون مُمنهجًا، من كواليس ودهاليز وردْهات سرية، يعلم جـميع المرتبطين بها بوجودها وحقيقة عملها، حيث تُعد المحرّك الأساس للعمل والمتحكّم الرئيس في تسييره بحسْب رؤيتهم، ليصبح الفساد الإداري هو المقبول عُرفًا وسلوكًا لديهم، عوضًا عن التنظيمات العادلة والقوانين غير المتحيّزة، التي تتبناها الهيئات المُشرِّعة.

ومع اهتمام الجهات المعنية بهذه القضية المصيـرية، إلا أن واقع الحال يُشيـر إلى ازدهار مجموعاتٍ كبيـرة تقتاتُ على إساءة استخدام الـمنصب والسُّلطة، ومنظومةٍ فاسدة غاية في التعقيد، ويحكي تراخيًا واضحًا في تطوير البنية الأساسية للإدارات، وتكريس آليةٍ مركزيةٍ جامدةٍ قاتلة، وتكاسلًا عن تطوير أنظمةٍ تحفظ الحقوق والواجبات الوظيفية وتحرص على إعطاء الأوّلية لتولية القوي الأمين وأصحاب الكفاءات في الـمجالات والـمناصب المُختلفة، عوضًا عن الأقارب والمعارف وأصحاب الولاءات الشخصية، نتيجة قصور أدوار جهات تنظيمية ورقابية وقنواتٍ إعلامية فعّالة في حصار مُمارسات الفساد وتحسين البيئة الوظيفية بـما يضمن الصالـح العام، والقضاء على مظاهره السلبية، التي تقوّض هياكل الـمؤسسات الحكومية والخاصة، وتستخدم الموارد العامة لتحقيق مصالح شخصية أو جماعية غير مشروعة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store