Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

رسالة من مجند مصري: طز في الإرهاب

A A
يبدي العسكريون وجنرالات الحرب، ولعاً بالمفاجآت، ويعتبرها بعضهم ،أحياناً، أخطر أسلحة الحرب على الإطلاق، أحد مصادر المفاجآت، التي يمكن أن تقلب موازين القوة في المعارك، هو استخدام سلاح ما في غير الاستخدام الذي أنتج من أجله، مثل استخدام صواريخ الدفاع الجوي لتدمير دبابات معادية توشك أن تحاصر منصة صواريخ وتدمرها، وهو ما فعله مقاتلون مصريون تصدوا للدبابات الإسرائيلية في ثغرة الدفرسوار بصواريخ مضادة للطائرات، أو مثل استخدام طائرات ركاب مدنية في تدمير برجي مركز التجارة، كما فعل تنظيم القاعدة في هجمات سبتمبر. لكن ذروة المفاجآت في كل الحروب، هي الفرد المقاتل ذاته، قدراته.. مهاراته.. مستوى تدريبه..تأهيله.. مدى استيعابه لسلاحه...والأهم من كل هذا عقيدته القتالية، واستعداده للتضحية من أجلها.

جانب مهم جداً في العقيدة القتالية لدى المقاتل الفرد الذي يصنع الفرق، هو: من هو العدو؟.. ولماذا أقاتله؟.

المشهد الذي جرى تداوله على «يوتيوب» مؤخراً، لمجند مصري يقود دبابة m60 أمريكية الصنع، ثقيلة الوزن بطيئة الحركة، ثم يقرر التصدي لسيارة دفع رباعي محملة بمواد شديدة الانفجار، كادت أن تفتك بقوات موقع أمني قرب العريش.

ما فعله المجند المصري البسيط بدبابته، مع سيارة الدفع الرباعي الملغومة، هو إحدى ذرى المفاجآت في الحرب، فالرجل قد استخدم الدبابة الثقيلة جداً( ٢٤طناً)، في دهس السيارة التي اقتربت حتى استحال قصفها بالسلاح، وهو استخدام غير متوقع، وربما غير ممكن، وخطير في نفس الوقت، أما الأخطر، فهو أن يقرر هذا المجند اعتلاء سيارة الإرهابيين المفخخة غير مبالٍ بالموت الذي بدا وكأنه قدر محتوم لا فكاك منه، ليحمي زملاءه الذين استهدفتهم سيارة الإرهاب.

قرار المجند المصري البسيط، التصدي بدبابته للإرهابيين، عكس قوة العقيدة القتالية لديه، بأن الإرهاب هو العدو، وأننا نقاتله لنقضي عليه.

أحد دوافع الإرهابيين لاستهداف عناصر الجيش والشرطة، هو تخويف هذه العناصر من مواجهة الإرهاب، ومحاولة إضعاف إرادة القتال عندهم، لكن رد المجند المصري، بالذهاب الى الموت وملاقاة إرهابيين عازمين على الانتحار، لم يجسد فحسب هزيمة محاولات عصابات الإرهاب التي تمولها وتديرها دول وأجهزة استخبارات، وإنما جسّد أيضاً، وربما لأول مرة، استعداداً لهزيمة الموت.

الذهاب إلى الموت هو أكثر أسلحة الإرهابيين مَضاءً وقوة، لكن ذهاب المجند المصري لملاقاة إرهابيين عقدوا العزم على الذهاب للموت، ربما ألقى الرعب في قلوبهم قبل أن يلاقوا الموت.

يتحدث د. يوسف إدريس في مقال بعنوان» أنا سلطان تاريخ الوجود» نشره عام ١٩٧٢ عقب حادثة التهام الأسد « سلطان» لمروضه محمد الحلو أثناء عرض افتتاحي بالسيرك، عن الفارق بين البطولة وبين «أكل العيش»، مؤكداً أن البطولة تحتاج الى جو عام يستدعيها، «فلا مجد للبطولة بلا مجد للكرامة ،،بلا مجد للنبوغ،،بلا مجد للشرف،، بلا مجد للعمل الصالح.. لا توجد البطولة بلا جو عام تلعن فيه اللابطولة».

ثم يتساءل د. يوسف إدريس: حين ينجح الجميع، المجتهد واللامجتهد والأبله والغشاش، والنابغة، حين يصبح لافرق ، لا أعلى ولا أسفل، لا أرفع ولا أحط، حين تمضي الحياة بامتحان لا يرسب فيه أحد ولا يتفوق فيه أحد، حين يحدث هذا ما الذي يتبقى من الإنسان ؟!!

البطل الذي « هرس» بدبابته سيارة إرهابيين محشوة بالمتفجرات، لم يكن يبحث لنفسه عن لقمة عيش، وإنما كان يطلب سلامة رفاقه في الجندية، وأبناء شعبه في الطريق العام.. كان يمضي دون أدنى تردد ( عشرون ثانية فقط) نحو الموت فداء لفكرة الحياة، وتحدياً لصنّاع الموت.. هذا المجند البسيط الذي سحق الإرهابيين في ٢٠ ثانية فقط وخرج سالماً، يطمئننا جميعاً من المحيط الى الخليج، فما ضاعت أمة فيها أمثاله.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store