Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حسن فتيحي

من «فيتشنزا» إلى «ميلانو»

شمس وظل

A A
يوم السبت، الموافق 09 يونيو 2001م ..

في محطة القطار من مدينة « فيتشنزا « إلى « ميلانو « .. وقد تأخرت عن الحضور إلى المحطة بسبب زحمة السير دقيقتين كانتا كافيتين لأن يتحرك القطار ويتركني للذي سيأتي بعده ..

وصلت المقهى في داخل المحطة .. واشتريت « سندوتش جبنة مع الطماطم « وقامت المضيفة بتسخينه حتى أصبح مقرمشاً ولذيذاً .. أكلته ثم اشتريت غيره ..

أعطتني المضيفة « شاياً بارداً « .. وكان لابد من دفع قيمته في الخزينة ودفعت .. ثم عدت إلى مقعدي وعيني على الظرف الذي معي ..به أوراق ، وأي أوراق !! فالمحل يالطيف ، يحتاج إلى الحذر ..

في المحطة شيء عجيب .. ترى في كل لحظة قطاراً يصل .. يتركه أناس ويأتي آخرون.. حركة دائبة ووجوه متغيرة .. وأقبع في مكاني وبجانبي أو أمامي بعض الذين تظهر عليهم الطيبة والاحترام .. والآخرون يتحركون يمنة ويسرة .. والبعض يجلسون في أماكن منزوية .. وآخرون يأكلون وهم وقوف .. وآخرون يشربون وهم متحركون ..

ما يسترعي الانتباه .. أن ذوي البشرة الداكنة والعيون الصفراء هم الأكثر أو الأغلبية.. وذوي البشرة البيضاء المشاركين معهم .. تتفق ألوان عيونهم .. فكلها لونها أصفر بلون الهرد أو الزعفران .. أو على الوصف الصحيح « اللون الأصفر الباهت الذي لا روح فيه ..

فرغت مما كتبت .. وتجولت عيناي فيمن حولي .. فوجدت أناساً آخرين وقوماً مختلفين .. ولهجات غير مفهومة من كل حدب وصوب .. وسرحت قليلاً فوجدت في المحطة عبرة .. فهي الحياة تماماً في وقت قصير ..

أمامي سيدة يبدو عليها الهدوء .. في يدها كتاب تقرأ منه .. وأمامها زوجها يغالبه النعاس وينظر إلى شاشة المغادرة والوصول .. يلعب في أنفه ثم يأخذ الكأس الذي أمامه ليشرب ..

السيدة منهمكة في القراءة .. وهو يذكرني بلعبة الزمبلك .. يد في الأنف ورأس تتحرك يمنة ويسرة وكأس يرتشف منها ثم يعود إلى نعاسه وبسرعة .. ثم يحاسب أو ينتقي طلباً من المضيفة في المقهى ..

العجيب أن يده في أنفه حتى وهو نائم أو نعسان .. وبطرق مختلفة ..

على كل الأحوال .. صعدت القطار الذي حضر قبل موعده بدقيقتين وتحرك في موعده تماماً .. ومن أحب وأرغب الأشياء ركوب القطار .. فهو يمشي ويمشي ويتنقل بك من مكان إلى آخر .. يسرع تارة ويبطىء تارة .. يتوقف تارة وتتغير الوجوه .. وسيأتي موعد النهاية التي أنزل فيها ..

على امتداد الطريق بين « فيتشنزا « و « ميلانو « .. مزارع ومصانع وطرق وعوالم عجيبة غريبة .. ولكن العين تعودت عليها .. فقد أمضيت في هذا القطار قرابة السبعة والثلاثين عاماً .. أجوب فيه بين « فيتشنزا « و « ميلانو « ولا يبدو لي أن هناك شيئاً قد تغير .. إلا أنا ..

لقد كنت شاباً يافعاً نشيطاً .. وها أنذا شيخ هرم يدفع نفسه دفعاً خشية الشماتة والشفقة .. وقد آن له أن يرتاح..

كتبته في 09 يونيو 2001م .. واستعدته اليوم 23 أغسطس 2017م ..

17 عاماً من الذكرى .. أضيفت إلى شيخوختي ..

الحمد لله رب العالمين ..

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store