سُنّة المُدافعة

من السُّنن الكونية لله سبحانه وتعالـى، سُنّة «المُدافعة» أو «التدافع»، وهي مذكورةٌ في قوله عزّ وجلّ في الآية (251) من سورة البقرة: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ) .. ومن معانيها: «المُزاحـَمة» و»الانتصار للحق».

وتُعد هذه السُّنّة ضرورة إنسانية حضارية اجتماعيّة، تضمن مُغالبة الفساد وإظهار الحق وإزهاق الباطل ولو بعد حيـن، وفيها تصويرٌ لطغيان الباطل بشتّى صُوره وأشكاله وارتفاع شأن أهله، وانحسارِ الحق حينًا من الزمن، ومدْح أهل الإصلاح ومُدافعتهم الباطل، في مُجتمعات تموج بأصناف البشر حيث الأضداد والمُتناقضات كالخيـر والشر، والعدْل والجوْر، والمعروف والمنكر، والإصلاح والإفساد، والحقّ والباطل، والقوّة والضعف، والغنى والفقر، وهي باقيةٌ بقاء البشر وصراعاتـهم إلـى قيام الساعة.

وفي المُجتمع الإداري، تتمثل هذه السُّـنّة بشكل واضحٍ بين فئات الناس، ومجموعات الموظفين، فمع تفشّي الاستغلال الوظيفي بشكلٍ مُسيء في بعض الإدارات، وانتشار الفساد والفاسدين، وتمكّنِ بعضهم إلى حين، إلا أن عددًا من المُدافعيـن عن الحق لا يزالون بين ظهرانيهم مُصارعين مُحتجّين، يرفضون الصمت عن الظلم ومشاركتهم أساليب فسادهم وطرق إفسادهم، ويقفون كالشوكة في حلوقهم ينغّصون عليهم استـئثارهم بالغَلبة الوقتية والمُكتسبات الآنية، ويفضحون أساليبهم القبيحة، كما يظهر بين حين وآخر من ينتقدون التسلّط والتجبـّر، ويـُحاولون منع بعض الأنظمة والقوانين الظّالمة من النفاذ، ويعلّقون الأعلام الـحمراء على مواطن الفساد الإداري، بكل ما يستطيعون من جهد.

وعلى الرغم من قلّة عددهم وعتادهم إلا أنهم هم الأخيار الصالحون الـمُصلحون، كما قال تعالى عنهم: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِـمَّنْ أَنْـجَيْنَا مِنْهُمْ، وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ).. سورة هود الآية (116). وهذه المُدافعة عن الحق من مواطن القوة، وغيابها من علامات الانهيار المُجتمعي، ففي النهاية لا يصحّ إلا الصحيح، والزّبد مهما علا شأنه يذهبُ جفاءً، ولا يبقى في الأرض إلا ما ينفع الناس.