Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أويس عبدالرحيم كنسارة

تعزيز اللغة العربية في ظلّ الرؤية السعودية

A A
روَت لي والدتي بعد رجوعها من رحلة علاج في ألمانيا، أن الطبيب الألمانيّ رفض التحدث بالإنجليزية، التي تبين فيما بعد أنه يجيدها، وعوضاً عن ذلك جعل الحديث بينهما بواسطة أحد المترجمين، كي يتحدث بلغته الأم، وهذا الاعتزاز الجميل مشهور عن الألمان والفرنسيين.

وتمنّيت وقتها، أن نكون نحن العرب كذلك، معتزين بلغتنا العربية، نتحدث بها بلا رطانة، ونكتب بحروفها بلا نقحرة، وبكل مفخرة.

ولكني أخبركم ومع كل أسف- أن هذه الأمنية قد تبخّرت في نفس اليوم، عندما طلب صديقي طعامه من النادل بالانجليزية، وطلبت طعامي أنا بالعربية، فلم يفهمني، فاستدعى لي مديره العربي، الذي جاء متأخراً، مما أخَّر طعامي، عقوبةً لإصراري على التحدث بلغتي الأم في مدينتي الأم!

ولا زلت أتذكر، شكاوى أساتذة الجامعة، من أخطاء الطلاب الفاحشة في القراءة والكتابة، ناهيك عن مواقع التواصل الاجتماعي التي يصبح فيها مشهد الركاكة اللغوية، وتهديد النّقحرة الكتابية، روتيناً طبيعياًّ مؤلماً للمعتزّين باللغة الأم وعشّاقها.

والنقحرة لمن لا يعلم، تعني نقل الحروف ورسمها بنظام كتابة آخر، ككتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية، أو ما يطلق الشباب عليه (الانجليزي المعرّب)، وقد كتبت عن هذا التهديد مقالتين بعنوان (الحروف واللّا-لُغة١،٢) لذلك أشير لما سبق- بكلّ ألم- منعاً للتكرار.

ولكي نضع أيدينا، كالعادة، على الجرح، فالجراح تبدأ من المدرسة، وتحديداً داخل فصول اللغة العربية، نحن الشباب لم نجد في تلك الحصص ما يشدّنا، ويجذبنا، ويعبّر لنا بإنصاف، عن جمال اللغة العربية ومكنوناتها، ولا من يُطلعنا على النصوص الأدبية المحفزة للفكر، ويزرع فينا الشغف والحب للغتنا الأم..

وعلى النقيض، كان التدريس تلقيناً بحتاً، مما أخرج لنا أجيالاً بعيدة عن لغتها، حتى أوشكت هذه اللغة العظيمة أن تموت، بين أبنائها وفي عقر دارها.

وكم غمرتني البهجة والأمل، عندما أقرّ مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، برنامج (تعزيز الشخصية السعودية) ضمن برامج تحقيق رؤية ٢٠٣٠، حيث العناية باللغة العربية من أهداف البرنامج المباشرة. وأنا على ثقة بأن مسؤولي البرنامج لن يتبعوا الحلول التقليدية، مثل زيادة الساعات الدراسية أو تكثيف المنهج، فهذه الطرق لا تؤدي إلى مانصبوا إليه.

كما أقترح إصدار قانون لحماية اللغة العربية، بحيث يختص بذكر المخالفات التي تهدد اللغة، سواء من الموظفين العموميين أو من الأفراد والتجار، ويفرض عقوبات مالية على المقصرين.. ويحفّز الملتزمين.. ويحمينا من ذلك التلوث اللغوي الذي يظهر في الإعلانات ولوحات الطريق العام والكثير من المخاطبات!

وختاماً أنوّه، بأن المسؤولية في تحقيق هذا الهدف الوطني، إذ تبدأ من المدرسة، فإنها تمتد لجميع أطياف المجتمع، وتشمل حتى الفنانين والمطربين، ومن هنا أناشدهم أن يسيروا على نهج مطربي الجيل الذهبي، حينما اهتموا بجمال الكلمة العربية، فغاصوا في بحر الشعر القديم، وأخذوا من قصائد أبي تمام والمتنبي وامرئ القيس وغيرهم، ليحولوها إلى أغانٍ خالدة!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store