Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد أحمد مشاط

سلوك يرفض الحقيقة والحكمة

الكلمات فواصل

A A
رؤية الأشياء من بعد، تتيح للإنسان عدم سيطرة وتأثير المحيط الذي يعيش فيه عليه.. كما أنه يبعده عن تفاعل العواطف، وشدّة ميولها السلبي، وكذلك الإيجابي. هي باختصار تجردٌ من كل تلك العوامل التي تملي على الإنسان قناعات لم يكن يومًا يثق بِها، أو يميل إليها، أو توصله إلى القرار والنتيجة الصحيحة.. هي مثل رؤية الطائر المُحلِّق في الجو الذي يرى الصورة كاملة، من غير موانع اجتماعية، أو انعكاسات لا تُمثِّل الحقيقة، أو حواجز يُشيّدها الإنسان لحماية نفسه في بداية الأمر، ثم تصبح سجنًا مظلمًا له في النهاية.

والحقيقة دائمًا بيضاء ناصعة، ولكن بعض الناس يزيّفها، ويمنع شعاعها من السطوع، ويشوّهها أمام الناظرين؛ إما بقصد أو ببراءة وسذاجة؛ مثل ما تفعل كثير من وسائط «الإعلام الجديد»، أو ما يُسمَّى «السوشيال ميديا».. وتعرف الناس بأنّها مملوءة بالشائعات المغرضة، والأكاذيب، والافتراء على الدين والأفراد والمجتمع.. ومع كل ذلك فكثير من الناس يتعامل معها على أنّها حقائق صحيحة، وسَبْق إخباري لا تستطيعه القنوات الصحفية التقليدية الجامدة.

كل ذلك يعكس- مع الأسف- كثيرًا من صورتنا التي تُفضِّل العيش في الوهم، وفي الغد الذي قد يتحقق أو لا يتحقق.. إنّها ظاهرة تحتاج إلى علماء الاجتماع لدينا لدراستها.. لماذا نحن هكذا؟ لماذا نُصدِّق كل شيء؟ لماذا نتخلَّى عن عقولنا وحكمتنا؟ ولماذا نَهرب من الواقع إلى الخيال، ومن الحقيقة إلى الحلم؟.

المقارنة بيننا وبين الشعوب الأخرى المتطورة، قد تكون مجحفة. كما أنّها لا يبرّؤهم أيضًا من مثل ما أُصبنا به؛ ولكن المقارنة سوف تُنبئ بأننا مُنغمسون أكثر من تلك الشعوب في متاهات مُضلِّلة، وفي أحلام شيّدتها أمانينا وعواطفنا، ولم نُلقِ بالًا- للأسف الشديد- إلى ما تفهمه عقولنا من الحقائق، وما تُدركه حكمة بصيرتنا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store