Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أويس عبدالرحيم كنسارة

قلّة التّردادْ.. تُثبّت الحُبّ بالأوتادْ!

A A
* يحتفظ قليلو التّرداد بحضور خاص في نفوسنا، نتأهّب لهم، ونتفرّغ للُقياهم، ويحلو لنا مرآهم، ونستملح مواعيدهم الموسمية، كمذاق الفاكهة الموسمية، وكانتظار الهلال والبدر – مرة واحدةً في الشهْر.. حضورهم عاطر: لا يتسلل له الملل ولا الضجر، ولا تنضب فيه (الهروج) والكلمات

.

* أحيانا نصبح الأقل قيمة عندما نقترب كثيراً، فيصبح الابتعاد، حلًّا من حلول الودّ، نبتعد لكي يروننا بوضوح، ويشعروا بتأثيرنا، فطبيعة الإنسان أنه يزهد فيما أمام ناظريه، ويعطي قدرًا أكبر من

الاهتمام للبعيد.

* لذلك فمقولة (بعيد عن العين بعيد عن القلب) ليست دائمًا صحيحة، بل إن الحكمة العربية البليغة تقول: زُر غباًّ تزدد حُباًّ! وزيارة الغبّ معناها أن تكون الزيارات متباعدة، حتى يتولّد الاشتياق بين الأصدقاء، ولا يملّ الأخ من أخيه،

وفِي هذا قال الشاعر الورديّ:

غِبْ وَزُرْ غِبًّا تَزِدْ حُبًّا

فَمَنْ

أَكْثَرَ التَّرْدَادَ أَضْنَاهُ المَلَلْ

* الاشتياق غريزة إنسانية، ولذلك لابد أن يغيب من نحبه حتى نشتاق إليه، فحتى على صعيد أكثر العلاقات قربا وحميمية، يصبح الغياب وقودا أساسيا لنار الغرام، فنجد أن أكثر قصص الحب التهابا وشهرة، هي تلك التي وجد بها الابتعاد وقلة الترداد، مثل: «روميو وجوليت»، و»عنتر وعبلة»، و»قيس وليلى» إلى آخر القائمة.. وكما أن الجاحظ أخبرنا بأن العاشق متى ظفر بمعشوقته مرة، نقص

تسعة أعشار عشقه!

* ولابد كالعادة أن أدلّل على كلامي بالدراسات العلمية، لأزيد من قناعتكم، فهاهو البحث الذي أجراه أساتذة في جامعة بيوردو الأمريكية، يؤكد لنا بأن العلاقات عبر المسافات تتميز بالاستقرار وتدوم لفترات أطول.. حيث أوضح الباحثون أن البعد يصنع المعجزات ويؤثر بصورة مدهشة على العلاقات، لأنه يولد أحاسيس غامرة بالشوق والحنين تجعل الإنسان أقرب نفسيًا وذهنيًا من شريكه/صديقه

.

‏* الحكمة تقول إنك عندما تقترب من عدسة الكاميرا لن تظهر كاملا بالصورة، بل ربما تظهر حبوبك وعيوبك، وكذلك هي

أعين الناس: لن تظهر لهم كاملا حتى تبتعد قليلا!

* لذلك «خلّيك بعيد حبّك يزيد!»، وأتقن ذكاء المسافات، وفن التقارب المدروس؛ أن تعرف متى تقترب، ومتى تبتعد، ومتى تزور، ومتى تغيب، ومتى تستأذن وتُنهي الزيارة، حتى لا تقترب كثيرا فتلغِي اللهفة، ولا تبتعد كثيرا فيُعتاد غيابك، وتصبح في طيّ النسيان

.. كن عابرا خفيفا أينما حلَلْت.. ويابخت من زار وخفّف.

* ختاما، أستثني من كل ما قلت وصال الوالدين، وأهل الواجب من الزيارة، فالأصل دائم الحنين لفلذته وفرعه، وأوجه ندائي الخاص لأصحاب الرسائل (الواتسابية)، الذين يرسلون صباحَ مَساء، عن كل ما يطيب لهم من أشياء، أقلِلُوا تردادكم أيها الأعزاء، لكي نهتم

برسائلكم ونقرأها، وزورو غباًّ تزيدوا حُباًّ!

***

* طُرفة: لا شيء (يضّيق

) الصدر مثل زائر ثقيل يعلن أنه قادم لـ( يوسع صدرك).

غازي القصيبي

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store