Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

«نيوم»: مستقبلٌ جديد متصالحٌ مع الماضي والحاضر(١ -٢)

A A
قَدَرُ السعودية أن تبقى على موعد مع التاريخ.

وطال الزمان أو قصر. يظهرُ أن هذه البقعة من الأرض ستبقى شاهدةً على ذلك التحدي الفريد في مسيرة التجربة البشرية: تفجير الكمون الإنساني لصناعة مستقبلٍ، ينبثق من الماضي بشكلٍ أو بآخر، ولكنه يبدو وكأنه لايمتُّ له بصلةٍ على الإطلاق.

حدث هذا سابقاً. في نفس هذا المكان. وتغيرَ يومَها وجه التاريخ إلى الأبد.

سمِّها خصوصيةً. سمِّها مسؤوليةً. سمِّها قدراً. سمِّها اصطفاءً. سمِّها ماشئتَ. وهي ستبقى في النهاية كل ذلك. لكنها ستظل أولاً وآخراً تحدياً إنسانياً بامتياز. تحدي القدرة على الولادة الجديدة. حيث يخرج من أحشاء الحاضر القلق وضجيجه مولودٌ مغاير. مولودٌ مختلف الملامح بكل المقاييس.

تحدي تحقيق (الطفرة) التي تحصل في التاريخ الإنساني عندما (يقرر) الإنسان أن ينفكَّ من قيود واقعه. عندما يحرر نفسه من أوهامه. ويؤمن إيماناً لايتزعزع بإمكانية تحقيق أحلامه. الطفرة التي تظهر باختصار عندما يغادر ذلك الإنسان محطة (الانتظار)..

كتبتُ الكلام أعلاه في أول مقالٍ نشرته لي (المدينة) الغراء منذ أكثر من اثني عشر عاماً، وكان المقال يومها بعنوان: «السعودية: موعدٌ مع التاريخ».

وبعد تفصيل في الخصوصيات ذات العلاقة بالقراءة التاريخية والاقتصادية والدينية وحسابات الجغرافيا السياسية للمملكة، والتي تؤكد موعدها الدائم مع التاريخ، خلصتُ إلى نتيجةٍ مُفادها: «هكذا يتشكل التحدي الفريد. مع اجتماع جملةٍ من (الثوابت) يمكن أن يجادلَ في دلالات وجودها من يشاء. دون أن يغير ذلك شيئاً من وزنها الحقيقي في عملية صناعة الواقع الإنساني على المدى المنظور».

دار الزمان دورةً خلال هذه الفترة، وأثبتت أحداثه أن الموعد المذكور لايتخلّف. دزينة سنواتٍ مُفعمة بأحداث وتطورات في كل مجال، وصلت بالمملكة لتعيش أجواء خلَقتها تصريحات ولي العهد السعودي خلال الأسبوع الماضي، توحي بأفق ولادةٍ جديدة. ولادة هي بمثابة (طفرة) طال انتظارها، يمكن أن تعبر عن إرادةٍ حاسمة بمغادرة محطة الانتظار. وعن مواجهة التحدي. تحدي القدرة على الولادة الجديدة. حيث يخرج من أحشاء الحاضر القلق وضجيجه مولودٌ مغاير. مولودٌ مختلف الملامح بكل المقاييس.

لهذا. لم يكن من قبيل المصادفة أن يتزامن في تلك التصريحات الحديثُ عن مشروع مدينة المستقبل «نيوم»، مع آراء الأمير الصريحة بخصوص فهم الإسلام وتنزيله على الواقع بالشكل الذي كان سائداً في المملكة خلال العقود الثلاثة الماضية.

«نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب»، قال الأمير محمد بن سلمان، مضيفاً «70 بالمئة من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار مدمرة... نريد أن نعيش حياة طبيعية، حياة تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة... السعودية لم تكن كذلك قبل 1979. السعودية والمنطقة كلها انتشر فيها مشروع صحوة بعد عام 1979 لأسباب كثيرة... فنحن لم نكن بالشكل هذا في السابق».

ثمة نصيحةٌ أقدمها، من القلب، لكل سعوديٍ وسعودية. بغض النظر عن مواقفهم وآرائهم، حتى لو كانت مختلفة فيما يخص التطورات الراهنة في المملكة. فببساطة، هذا الاختلاف يصبُّ في الانفتاح الذي دعا له الأمير على جميع الأديان والتقاليد والشعوب، فيكون من باب أَولى أن يكون منفتحاً على تنويعات طرق التفكير بين المواطنين من أهل المملكة.

أما النصيحة فهي: خذوا تصريحات الأمير كما هي عليها. دون تأويلات جانبية، ومحاولات لقراءة ما يعتقد البعض أنه يوجد بين السطور، من معانٍ لاتقولها الكلمات المباشرة. لاحاجة للهوس بعمليات مطِّ معاني التصريحات المذكورة، وتلبيسها عنوةً مضامين سلبية يُعتقدُ أنها مُضمرة. لاداعي لتكلفٍ زائد في تحليلها ومحاولة استنباط أفكار تُستخرج قسراً من عباراتها.

خذوها كما هي، بحرفيتها الواضحة، وأهدافها المحددة، ومُرادها الذي تنطق به الكلمات. فالغالبية العظمى من الشعب السعودي رأت وعاشت عملياً سلبيات الطريقة الخاصة في فهم الإسلام وتنزيله في الماضي. بل وكثيراً ماعانت منها.

وبصراحةٍ وشفافية مطلقة اعتاد المرء ممارستها في هذه الصفحة دون قيود ولاتبعات، على مر السنوات الطويلة السابقة، نقول: مامن شخصيةٍ تغييرية متميزة في تاريخ البشرية إلا وتكون مثيرةً للجدل، دون استثناء. والأمير السعودي يدخل في هذه القاعدة بكل وضوح. لكن عفوية آرائه ومقولاته من ناحية، وصراحته ووضوحه من ناحية ثانية، وطروحاته الجريئة من ناحية ثالثة، تأتي بمثابة نسمةٍ جديدةٍ من الممارسة السياسية، ليس في السعودية فحسب، وإنما في المنطقة بأسرها.

نقلةٌ كبيرة كهذه ستحتاج إلى تعاون الجميع وصبرهم، وستظهر على الطريق تحديات من كل نوع. لكن الثمرة المرجوة تستحق التضحيات.

ماذا عن الحاضر والمستقبل في الرؤية الجديدة. هذا موضوعنا القادم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store