Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

المتعاقدون وشهوة الأضواء

A A
صورة قاتمة -أقطابها فقد الحظوة وخفوت الأضواء والفراغ والملل- رسم معالمَها بعضُ المتقاعدِين من التعليم بشقيه (العام والجامعي) حينما جعلوا مرحلة ما بعد التقاعد شبحًا يتربص بالمتقاعدِين، فيُعمِل فيهم أدواته، ويجعلهم نادمِين على ارتمائهم بين براثنه طوعًا أو كرهًا، وهو ما جعل البعض منهم ينفر من التقاعد ويفضل أن يبقى ممارسًا لمهنته ولو بنظام (التعاقد) وذلك لأطول فترة ممكنة. بطبيعة الحال هناك تباين بين شريحتَي المعلمِين والأكاديميين؛ فالمعلمون المتقاعدون غير مسموح لهم العودة للتدريس في المدارس الحكومية بنظام التعاقد، في حين سُمح لهم بالتعاقد مع المدارس الأهلية، أما الأكاديميون فالباب مفتوح لهم للتعاقد مع الجامعات والمدارس الأهلية. وعلى هذا تنبني تساؤلات موجهة للمتقاعدِين من (المعلمِين والأكاديميين) الذين شُغِفوا حبًّا بالعودة للعمل بنظام التعاقد: ألم تستوعب سنوات خدمتكم الممتدة لـ (٤٠) سنة الكثيرَ من ثرائكم العلمي والمعرفي؟ هل حقًّا أن الدافع وراء تعاقدكم هو حبكم النفع للطلاب؟ أليس فقدكم المكانة، وشهوة البقاء في الأضواء هما سبب شغفكم بالتعاقد؟ ألا ترون أن في البلد (أولادًا) غيركم أكفياء يقفون على رصيف الانتظار هم أحق بأن يحلوا بديلِين لكم؟ التقاعد سُنة ماضية على الجميع، ومهما طال انتظاره فهو لا بد آتٍ، ولن يحول دونه تمديد ولا تعاقد جديد. هنا تعود بي الذاكرة لمقاعد الدراسة عندما كان بعض الأساتذة يَعمل بنظام التعاقد، كانوا يغالطون أنفسهم حين يظنون أنهم لايزالون بالهمة نفسها والعطاء نفسه والجهد نفسه الذي كانوا عليه في مرحلة الإقبال، أَمَا وهم في مرحلة الإدبار فلن يأتوا بأفضل مما أتوا به، ولن يضيفوا جديدًا يذكر؛ فمحاضراتهم أقربُ للدردشة، وإعادةٌ لشريطِ بطولاتِ وصولاتِ وجولاتِ الماضي، وكأني بهم لا يشعرون أن الزمن تغير، وأن المادة العلمية وطرائقها طالتها حركة التجديد ورياح التغيير، وهو ما دعا أحد الزملاء ليقول عنهم مقولته الخالدة (تقاعدوا فتعاقدوا فعقَّدوا). النظام -كما ذكرتُ- لا يجيز لمعلمِي التعليم العام المتقاعدِين التعاقدَ مع المدارس الحكومية في حين يجيز لهم التعاقد مع المدارس الأهلية، ولذا ففي الشق الجامعي قد تكون نسبة التعاقد بين الأكاديميين المتقاعدِين أكبر منها مقارنة بالمعلمِين؛ كون المجال مفتوحًا أمامهم في الجامعات والمدارس الأهلية. وعليه، فهل يُعقل أن خدمة الأربعين سنة لم تشبع نهم هؤلاء وهؤلاء ولم ترضِ طموحهم؟ هذا -برأيي- يعود لأحد هذه الأسباب: أن هؤلاء المتقاعدِين المتعاقدِين من (المعلمين والأكاديميين) سيفقدون بالتقاعد ميزات كانوا يحظون بها كالمكانة والوجاهة والتقدير والأضواء، أو أنهم مختلفون عن غيرهم؛ فقد يكون لديهم جينات تختلف عن جينات غيرهم تمكنهم من العمل بكل كفاءة حتى بعد تخطي حاجز الستين، أو أن مهامهم كانت أسهل من مهام غيرهم فلم يشعروا بالتعب والملل ولا يزال لديهم بقية من نزق ونشاط، أو أنهم لا يثقون في كفاءة الجيل الذي سيحل محلهم. التقاعد فرصةٌ لبدء حياة الحرية بعيدًا عن قيود العمل، ومجالٌ لمواصلة العطاء وخدمة المجتمع من خلال مؤسساته المدنية، وفسحةٌ لالتقاط الأنفاس يتحراها (بلهف) بعض من لم تصل خدمته الأربعين، فكيف يأتي من خدم أربعِين سنة ويرغب في المزيد فيغلق الباب أمام طابور المنتظِرِين؟! ،ثم إن تعليم الآخرِين لا يتوقف على الفصول الدراسية؛ فبإمكان ذوي العلم والهمم -إن كانوا جادِّين- مواصلة نشاطهم وإفادة الآخرِين عن طريق وسائل الإعلام والتواصل والاجتماعي، ومن خلال الكتابة والبحث والتأليف، ومن خلال إلقاء الندوات والمحاضرات وخلافها.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store