Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

«نيوم»: مستقبلٌ جديد متصالحٌ مع الماضي والحاضر (2-2)

مامن تخطيط سياسي واقتصادي في العالم يخلو من التحديات، كما نعيد ونكرر في المقالات المنشورة هنا، وهذا ينطبق على المشروع العملاق الجديد، ربما أكثر من غيره.

A A
«حينما تنظر إلى السعودية، فستجد أن هنالك أمثلة أخرى ليست طموحةً بهذا القدر، مثل مركز الملك عبد الله المالي ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية ومدينة جازان الاقتصادية، وجميعها تم الإعلان عنها في جوٍّ احتفالي كبير، ومع ذلك عانت وتعثّرت. لماذا تعتقد أن هذا المشروع سيكون ناجحًا ومختلفًا؟»

كان هذا من أهم الأسئلة المطروحة في مقابلة وكالة «بلومبيرغ» مع ولي العهد السعودي أثناء الإعلان عن إنشاء مدينة المستقبل «نيوم». فالحديث في المشاريع المستقبلية العملاقة يتطلب الحوار، بشفافية، في التجارب السابقة. أوضح الأمير الملابسات المتعلقة بالمشاريع المذكورة في السؤال أعلاه، لكن بعض عباراته كانت (مفتاحية) في الإجابة على هذا السؤال وغيره، ويجب الانتباه إليها، من قبل السعوديين تحديداً.

«ليس من واجب نيوم خلق فرص عمل للسعوديين فقط بل إن من واجبها هو أن تكون مركزاً عالمياً للجميع في العالم بأسره. لذلك فإنها ستخلق فرص عمل للسعوديين وستخلق فرص عمل للكثير من الناس في جميع أنحاء العالم،» قال ولي العهد. وحين سألته الصحيفة عن إمكانية وصول السعوديين إلى المشروع بيسرٍ وسهولة أجاب: «لن يذهبوا إلى نيوم ويناموا على الطرقات. إذا ذهبوا إلى نيوم، عليهم أن يقوموا بحجز غرفة في فندق أو أن يكون لديهم منزل أو شقة في نيوم».

مامن تخطيط سياسي واقتصادي في العالم يخلو من التحديات، كما نعيد ونكرر في المقالات المنشورة هنا، وهذا ينطبق على المشروع العملاق الجديد، ربما أكثر من غيره.

والتحديات هنا تتعلق بالحاضر والمستقبل من ناحية. وهي تشمل المواطنين والمسؤولين من ناحيةٍ ثانية.

فهذا المشروع يُعتبر (استراتيجياً). بمعنى أن نتائجه العملية وتأثيره الإيجابي على المجتمع والناس قد تكون استثنائية وغير مسبوقة. لكن كونه إستراتيجياً يعني أيضاً أن تلك النتائج وهذا التأثير مستقبليان، ويتطلب الأمر سنوات ليشعر بها المواطنون عملياً في حياتهم اليومية. بالمقابل، وكما هو عليه الحال في كل بلدٍ آخر، ثمة حاجاتٌ مستعجلة ملحة وضرورية يحتاج المجتمع للتعامل معها في الحاضر الراهن. وهذا يتطلب موازنات في عملية صناعة السياسة الاقتصادية والتنموية تجمع بين الأمرين من ناحية المسؤولين.

من البدهي أن السياسات الاقتصادية المتعلقة بهموم الحاضر موجودةٌ ومستمرة في المملكة، وأن الاقتصاد السعودي، بمخصصاته المالية، لم يتوقف للتركيز على مشروع «نيوم» أو غيره من المشاريع المستقبلية. لكن معطيات علم صناعة السياسة Public Policy

تشرح الحساسيات المعقدة في مثل هذه المنعطفات التاريخية. حيث تتداخل المسائل والحسابات النفسية لدى الجماهير مع الحسابات العقلية والرقمية، وحيث تطغى على مشاعرهم متطلبات الحاضر، وأحياناً إلى درجةٍ تجعلهم زاهدين في المستقبل، دون إدراك النقلة الحقيقية التي يحملها هذا المستقبل. وهذه الحالة تخلق لدى أصحابها مشاعر متضاربة، تجاه الرؤى المستقبلية، خاصةً مع فرادة الرؤية الحديثة بمجملها، والنقلة الكبيرة الكامنة فيها، بالنسبة لثقافةٍ سائدة عاشت عقوداً من التطور الهادئ والبطيء.

وهذا يحرم المملكة من زخمٍ نفسيٍ وعَمليٍ هائل ينبغي وجوده في المجتمع لتصل الرؤية إلى تحقيق أهدافها واقعياً. لأن الزخم المذكور يبقى، رغم كل الإمكانات المالية والخبرات الخارجية، الركن الأول والرئيس للوصول إلى تلك الأهداف.

من هنا، ينبع التحدي الذي يواجه صُنّاع السياسة ومهندسيها، ويتمثل في إحساس المواطن عملياً بوجود ممارسات اقتصادية فعالة تتعامل مع حاجاته الراهنة ومتطلباته الحالية. وبأن هذه الممارسات تهدف إلى تهيئته مادياً ومعنوياً وفكرياً لأن يكون، هو، قبل أي عنصرٍ آخر، مدماك النقلة القادمة نحو مستقبلٍ يتولد من الحاضر، دون خصامٍ موهوم مع الماضي والتاريخ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store