Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

حادث مسجد الروضة الشنيع.. الجذور والبواعث والتداعيات

رؤية فكرية

A A
على بشاعة الحادث الإرهابي الأليم الذي وقع في مسجد الروضة بسيناء المصرية، وراح ضحيته نفوس مسلمة عزيزة، إلا أننا لا نستطيع أن نخرجه من سياق تاريخي يتصل بتيار الإسلام السياسي، الذي جعل من جموع المسلمين المناوئين لأفكاره وأدبياته المتطرفة هدفًا للتكفير والتفسيق والتبديع ومن ثم استحلال الدماء، بتأويل النصوص ولي عنق الأحاديث لتبرير جرائره، مسنودًا في ذلك بصمت متواطئ من قبل رموزه المعروفة في الساحة. وأذكر أن أحد رموز هذا التيار البارزين سئل على مشهد من الناس عن رأيه في جماعة داعش الإرهابية فقال إن «رأيه لا يتفق معها؛ ولكنه لا يوافق على محاربتها بالطريقة إياها»، إن مثل هذا القول ينطوي على كثير من المخاتلة، بل إنه يصادم أحاديث صريحة في وجوب مقاتلة من يفسدون في الأرض، وأي فساد أكبر وأعظم أثرًا من قتل المسلمين وهم ركوع سجود في بيوت الله.

ومن الأسباب التي ينبغي الانتباه إليها هو عملية الشحن الطائفي، حيث يقف بعض الوعاظ والخطباء فيقومون بالدعاء على طائفة بعينها، ولا يستثني الدعاء عليهم ذراريهم أيضًا، وإخراجهم من الدين جملة واحدة.. وهناك من عامة الناس من يصغي إليهم، ويتمثل قولهم، ويخرج من عندهم وقلبه مثقل بالحقد والكراهية عليهم، وهو مسلك يتصادم مع النصوص الدينية الصريحة الداعية إلى عصمة وحرمة دماء أهل القبلة.. ولننظر إلى هذا الرأي النفيس، والمتسق مع هدى الشرع الحنيف، والداعي إلى حرمة وعصمة دماء أهل القبلة، حيث يقول الإمام الغزالي - رحمه الله - في هذا الشأن ما نصه: «لعلك تشتهي أن تعرف حدّ الكفر بعد أن تناقض عليك حدود أصناف المقلدين، فاعلم أن شرح ذلك يطول، ومدركه غامض، ولكني أعطيك علامة صحيحة مطردة ومنعكسة لتتخذها مطمح نظرك، وترعوي بسببها عن تكفير الفِرَق، وتطويل اللسان في أهل الإسلام، وإن اختلفت طرقهم، وما داموا متمسكين بقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، صادقين بها غير مناقضين لها، فأقول: الكفر هو تكذيب الرسول صلّى الله عليه وسلّم في شيء مما جاء به».

وهو الرأي نفسه والمنهج ذاته الذي سار عليه علماء وسلف هذه الأمة، فهذا هو الإمام تقي الدين السبكي يقول: «اعلم أيها السائل أن كل من خاف الله عز وجل استعظم القول بالتكفير لمن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، إذ التكفير هائل عظيم الخطر، لأن من كفّر شخصًا بعينه فكأنما أخبر أن مصيره في الآخرة جهنم خالدًا فيها أبد الآبدين، وأنه في الدنيا مباح الدم والمال، لا يُمكَّن من نكاح مسلمة ولا يُجرى عليه أحكام المسلمين، لا في حياته ولا بعد مماته، والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم امرئ مسلم».

لا يمكن الوصول إلى الغاية من محاربة المد التكفيري إلا بلجم الأصوات النشاز التي تغذي هذا التيار بالتشكيك في عقائد المسلمين، ووصمها بالخلل العقدي، في أمور لا تحتمل كل هذا الشطط، بل محلها الدراسة والنظر والحوار الهادئ المسيج بحسن الظن بعقائد المسلمين أينما وجدوا، وأي مذهب اتبعوا، وأي طريق سلكوا.

اللهم غفرانك وعفوك ونبرأ إليك مما فعل هؤلاء الإرهابيون الظالمون والمفسدون في الأرض، الذين يستحقون أشد العقاب في الدنيا والآخرة. اللهم أصلح حال الأمة، واجمع كلمتها وألّف بين قلوبها، وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن.. والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store