Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

هل الغرب بحاجة لتنوير؟!

ألا يمكن أن نجد فيما خلَّفه الفلاسفة والمفكرون الغربيون من قيم ومبادئ فلسفية تنويرية- ما يمكن أن يُسهم في تغيير الذهنية الغربية وتصحيح مفاهيمها وسياساتها الخارجية تجاه العالَم وخاصة (العرب والمسلمِين)؟

A A
ربما استدعى العنوان أعلاه كمًّا وافرًا من علامات الاستفهام والتعجب التي تبدو أمرًا طبيعيًّا في ظل حقيقةِ أن الغرب هو الباعث الحقيقي للتنوير، الذي هو اتجاه فكري انتشر في أوروبا على يد عدد من الفلاسفة التنويريين، كفولتير وروسو وبيكون وكانط... وغيرهم، وبلغ درجة كماله في القرن الثامن عشر الميلادي.
عن حيثيات قيام التنوير يُؤكِّد المُفكِّر العربي هاشم صالح في مقال له بالشرق الأوسط أن «الأنوار الفلسفية كانت بمثابة رد فعل على فساد رجال الدِّين وعلى المجازر الطائفية والنعرات المذهبية التي أشعلوها في أوروبا، وهدفت هذه الحركة الفكرية الكبرى إلى تنوير العقول من أجل التخلص من التعصب الطائفي والاقتتال المذهبي». الشاهد في كلام صالح هو أن أحد أهم أهداف هذه الحركة الفكرية التنويرية هو (التخلص من التعصب الطائفي والاقتتال المذهبي)، وذلك على اتجاهَين متوازيين، يتمثل الأول في تحطيم سلطة الكنيسة وباباواتها، والثاني في الوقوف ضد طغيان الطبقة الحاكمة هناك؛ ولذا رأينا كيف أصبحت أوروبا خاصة والغرب عمومًا في حالة من الوئام والاستقرار، رأينا كيف انتهت الحروب والصراعات بين دول الغرب، رأينا كيف ساد التسامح داخل الطوائف الدينية والتيارات الفكرية وفيما بينها، فضلًا عن التفوق النوعي والكمي في المجالات المعرفية والصناعية والاقتصادية والتقنية ومجالات الحياة كافةً. إذا ما اتفقنا على أن حركة التنوير كان لها نتائجها الباهرة التي أدت إلى تفعيل دور العقل، وإلى كسر كل أنواع الوصاية، وإلى النهضة الحديثة التي شهدتها دول الغرب، وإلى -وهنا مربط الفرس- انتهاء الحروب والصراعات داخليًّا وخارجيًّا على مستوى الدول الغربية فقط، فإنه يحق لنا أن نطرح هذه التساؤلات: ألا يمكن أن نجد فيما خلَّفه الفلاسفة والمفكرون الغربيون من قيم ومبادئ فلسفية تنويرية ما يمكن أن يُسهم في تغيير الذهنية الغربية وتصحيح مفاهيمها وسياساتها الخارجية تجاه العالَم، وخاصة (العرب والمسلمِين)؟ إن لم يكن ذلك، أليس الغرب اليوم بحاجة لحركة فلسفية تنويرية أخرى يتبناها الفلاسفة الغربيون المعاصرون ليستكملوا مسيرة أسلافهم- تعمل على نزع ثيمة الحروب والصراعات التي يصدِّرها الغرب ويمارسها مع الآخر خارج الحزام الغربي من منطلقات عقائدية؟ أليس في قيام إسرائيل ومساندة الغرب لها شاهد على تلك المنطلقات العقائدية؟ بمَ نفسر مقولة بوش الابن حينما وصف حملة أمريكا في أعقاب (١١ سبتمبر) بأنها حرب (صليبية)؟ ألم يأتِ قرار ترامب بجعل القدس عاصمة لإسرائيل -بحسب الوطن نقلاً عن الإندبندنت البريطانية- لأسباب عقائدية؟ وعليه، وكون هذه الحروب والصراعات التي يشنها الغرب يأتي معظمها (من منطلقات عقائدية بحتة) فإن الغرب بحاجة لتنوير آخر يضبط سياساته الخارجية ذات المنطلقات العقائدية، مع أن من المنطق ألا يَقصر الغرب رسالة التنوير التي اكتملت في القرن الثامن عشر على الشأن الداخلي الغربي فقط؛ لأن ذلك يُعد خيانة لتعاليم التنوير وقيمه، إذ المفترَض أن يُنزلها على سياساته الخارجية أيضًا؛ كي تعمل رسالة التنوير تلك على نزع فتيل الشهوة العدائية التسلطية الغربية عن طريق إنهائها مسبباتها العقائدية -تمامًا كما أنهت المسببات العقائدية للحروب والصراعات الغربية الداخلية- حتى ينعم العالَم بالأمن والسلام.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store