Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
لمياء باعشن

الإعلام، والترفيه، والسياحة، والرافد المُفتقد

A A
في عام 2012 صرّح وزير الثقافة والإعلام آنذاك، الدكتور عبد العزيز خوجة، بأن نشاط الثقافة تعرّض للظلم مراراً حيث أُوكلت مسؤوليته إلى وزارة التعليم، ثم إلى الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وأخيراً إلى وزارة الإعلام، فحظي دائماً بمرتبة أدنى في الاهتمام. ظهرت الثقافة دائماً كالجنين التوأم غير كامل النمو لأن تصنيفها ظل مبهماً، وعلى أن إلصاقها إدارياً بمؤسسات قائمة بذاتها دون إستراتيجية خاصة بها قد أضر بها، إلا أن الأذى الأكبر أتاها من إلصاقها مفاهيمياً بالترفيه والتسلية في وقت الفراغ.

والحقيقة أن مفهوم الثقافة لا زال مُلتبساً، وقد زادته ما بعد الحداثة تشتتاً وإرباكاً، فمن زاوية ضيقة هو القراءة الجادة للكتب الثقيلة، والاطلاع الموسَع على تفاصيل معرفية في مجالات شتى، أما من زاوية بعد-حداثية منفرجة هو كل شيء، أي أن الثقافة تحولت إلى مظلة تحوي كل أسلوب حياة وكل نشاط إنساني، فكري أو يدويّ، مُبتكر أو تقليدي، ذي قيمة ومعنى أو مفتوح على المعاني بلا قيمة ولا هدف. في ظل هذه البعثرة، تحولت الثقافة من كيان مستقل متماسك إلى قطرات من كل البحار، وصار من الصعب تحديد كنهها ورسم توجهاتها. لذلك كان القرار باعتبارها نشاطاً فكرياً مقابل النشاط الجسدي للرياضة، أو نشاطاً إبداعياً حراً مقابل النشاط العلمي المُمنهج، أو نشاطاً بحاجة إلى ضوء وانتشار فصار الإعلام راعياً له.

واستمرت هلامية الثقافة معنا حتى يومنا هذا، عبءٌ على وزارة الإعلام وغيرها، وتخبطٌ بلا خطط ولا سياسات، فأكبر هم للثقافة هو المقر الذي يلجأ إليه المثقفون لممارسة هواياتهم مع ميزانية بسيطة. وكلما عُيّن وزير جديد للإعلام تجمهر المثقفون ووضعوا قائمة أحلامهم الضائعة، ثم يقوم الوزير الجديد بتشكيل لجنة لإعادة صياغة لائحة الأندية الأدبية مرة تلو الأخرى، ويبقى الحال على ما هو عليه، سواء أُقرّت اللائحة أو بقيت معلّقة، وسواء تغيرت مجالس الإدارة أو استمرت تـُدير تحت وطأة التمديدات المتلاحقة.

ثم إن بوادر الأمل ظهرت ضمن بنود برامج رؤية 2030، وجاء في فقرة 1.2.1، وتحت عنوان ندعم الثقافة والترفيه، إن الثقافة والترفيه من مقومات جودة الحياة، وبأنه سيكون هناك تأسيس وتطوير للمراكز الترفيهية ليتمكن المواطنون والمقيمون من استثمار ما لديهم من طاقات ومواهب، وسيتم تخصيص الأراضي المناسبة لإقامة المشروعات الثقافية والترفيهية من مكتبات ومتاحف وفنون وغيرها، كما سيتم دعم الموهوبين من الكتّاب والمؤلفين والمخرجين، والعمل على إيجاد خيارات ثقافية وترفيهية متنوّعة.

هذه الصياغة لا شك أنها مُبشّرة بالخير، وهي تـُظهر تقديراً عميقاً لأهمية الثقافة وانعكاساتها التنموية والتطويرية على المجتمع والأفراد، لكن عنوان البند ألصق الثقافة بالترفيه، ومع كل التطور اللافت لهيئة الترفيه، يبدو أن التوأم القوي قد انطلق، بينما بقي التوأم الضعيف غير مكتمل النمو، خصوصاً وأن التغييرات قد بدأت تطال هيئة الإعلام وقنوات التلفزيون والهيكلة الوظيفية، كما ازداد نشاط هيئة السياحة بالكشف عن برامج ومواقع وتسهيلات للسياح، بينما كان الصمت نصيب هيئة الثقافة.

إن الثقافة الجادة التي نفتقدها هي تلك الثقافة العليا، ثقافة الفكر والأدب وروائع الفنون التشكيلية والمسرحية والموسيقية، تلك الثقافة هي وقود النشاط السياحي والإعلامي والترفيهي، هي الرافد الغزير للتهيئة الذهنية، وللإدراك المبهج، والمتعة السامية، والسلوك الراقي

. كل ما نتطلع إليه هو أن نمشي على خطى الرؤية ونعطي الثقافة حقها في نشر الوعي والتحفيز على الإبداع، أن نوظفها كقوة فاعلة في مسيرة التنمية الشاملة.

الثقافة قبل الترفيه وخلاله وبعده، هي الإعداد المُسبق للتلقي، والتفاعل الناضج مع المحتوى، والفائدة المُستقاة من المادة المُرسلة، الثقافة هي البطانة وهي الغلاف.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store