Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

ليت شعري هذه الدنيا لمن؟!

A A
نسب الشيخ محمد بن صالح الشاوي في كتابه حكم مختارات من عيون الشعر والأدب (44) لأبي العلاء المعري قوله:

كلُّ مَن لاقيتُ يَشكو دهرَه

ليتَ شِعري هذه الدنيا لمَنْ؟!

وورد في بعض الأخبار «إنَّ هذه الدنيا دار الْتِواء لا دار اسْتِواء، ومنزِل تَرَحٍ لا منزل فرح، فَمَن عرفَها لم يفْرَح لِرَخاء، ولم يحْزن لِشَقاء»، الكل يشكو همّه في هذه الدنيا منذ خلق الله الأرض ومن عليها، فالغني يشكو والفقير يشكو والمريض يشكو والصحيح كذلك، ومن وهبه الله ذرية يشكو ومن حُرِم منها أيضًا، ومن هو يعمل ومن ليس له عمل، الكل يشكو تصديقاً لقوله تعالي: (خلق الإنسان في كبد). وأتذكر أني عندما كنت طالباً في برنامج الدكتوراه في جامعة وسط ويلز في التسعينيات من القرن الميلادي الماضي كانت تمر بي بعض المشاكل في الدراسة ومرض الأبناء من شدة برودة الطقس وفقد بعض الأقارب، فالتقيت بزميلٍ عزيز من دولة عربية كان يدرس معنا في الجامعة نفسها، وشعر وقتها أنني في همٍّ وغم، وبعدما شرحت له ما أحمله من همٍّ، بدأ يسرد لي ما لديه من هموم وجدتها أكثر بكثير مقارنةً بما أحمله من همٍّ، ومع ذلك كان صابرًا شاكرًا لله محتسبًا، ولتسليتي ذكر لي قصة عجيبة فيها الكثير من العِبَر تدل دلالة كبيرة على أن الفرد المؤمن يجب عليه الصبر وشكر الله على الابتلاء، لأن غيره من الناس قد يكون ابتلاؤه أعظم وأشد مما ابتُلي به، والقصة كالتالي: «أن هناك عمدة لإحدى القرى نمى إلى علمه أن أبناء قريته يشتكون من هموم الدنيا التي يحملونها، فطلب منهم جميعًا في أحد الأيام أن يجتمعوا في سوق القرية وكلٌّ منهم يحمل همَّه ويصطفون في صفٍّ واحد، ويضع كل فرد منهم همّه أمامه، وطلب من كل فرد منهم أن يمرَّ على الجميع ويختار أسهل همٍّ لدى أيّ فرد من الموجودين، ويترك همّه مكانه، وبعد الانتهاء سأل كلّ واحد من أبناء القرية، إن كان اختار همًّا من هموم الآخرين؟.. فكانت النتيجة أن الجميع رضي بما قسم الله له من همٍّ، وأن ما يحمله من همٍّ أصغر مقارنةً بما يحمله الآخرون»، وزاد أن قال عبارة جميلة: (تذكر أنها دنيا)! هذه القصة تُبيِّن أن المرء يجب عليه أن يحمد الله على ما ابتلاه به، ويتذكر أن غيره قد يكون أكثر ابتلاءً منه، وعندها تصفو النفوس وتكون القناعة التي هي كنز لا يفنى، وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلَّم حينما قال: «انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم».

ومما نُسِبَ إلى المعري أيضًا قوله:

هذه الدنيا لمن طلقها

وارتضى منها بعيش وكفن

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store