Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
لمياء باعشن

رسائل الانسحاب الأمريكي من الصفقة النووية

وقد سارع أوباما بالاعتراض على انسحاب أمريكا من اتفاق يعتبره انجازاً له، قائلاً "إن نقض الاتفاقيات التي تكون بلادنا طرفاً فيها يقوّض مصداقيتها، ويضعنا على خلاف مع القوى الكبرى في العالم". فجاءت رسالة ترامب له في إشارته إلى "الإدارة السابقة" التي أبرمت اتفاقاً ضعيفاً لا يليق بأمريكا، ثم لمز أوباما بقوله: "لم تعد الولايات المتحدة تصدر تهديدات فارغة، فعندما أقدم وعوداً، فأنا أحافظ عليها".

A A
«أيها المواطنون الأمريكيون، أود اليوم أن أطلع العالم على جهودنا لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي». هكذا بدأ الرئيس الأمريكي خطابه التاريخي يوم الثلاثاء الماضي، الذي أعلن فيه انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران. وهو حين يشرك العالم في خطابه الموجه لمواطنيه فذلك لأنه يقدم استراتيجية تمس سياسة بلاده في الشرق الأوسط، فعلى قدر ما تخص الداخل الأمريكي، فهي تخص الخارج. ويتضح ذلك فيما تبع الاعلان من توقيع مذكرة رئاسية تنص على فرض عقوبات اقتصادية مشددة على النظام الإيراني، وعلى أي دولة تساعده على حيازة أسلحة نووية.

صاحبت إعلان القرار على العالم رسائل مهمة، على رأسها التشهير والتنديد بإيران التي وصفها دونالد ترامب بصفات تجعلها كما يقول: «الدولة الرائدة في رعاية الإرهاب»، فهي تصدر الصواريخ الخطرة، وتزود الصراعات في الشرق الأوسط، وتدعم الميليشيات الارهابية، ثم وصف سلوك إيران بالخبيث، وأنشطتها بالشريرة، ونظامها بالقاتل المرعب، وطموحاتها بالدموية. لقد موّل النظام الإيراني الفوضى والدمار، وعلى مر السنين، قصفت إيران سفارات أمريكا ومنشآتها العسكرية، وقتلت المئات من جنودها، وخطفت وعذّبت مواطنيها.

ثم كانت الرسالة الثانية التي برر بها انسحابه، والتي سفّه فيها بهذا الاتفاق «المعيب في جوهره». يقول ترامب: إن الاتفاق هو عبارة عن «صفقة كارثية» كان من المفترض أن تحمي العالم من جنون إيران، ولكنها صفقة قائمة على الأكاذيب، رفعت عنها عقوبات اقتصادية قاسية، واستبدلتها بقيود ضعيفة، وتوهّمت أن إيران لا ترغب إلا في برنامج سلمي للطاقة النووية، فسمحت لها بمواصلة تخصيب اليورانيوم. هذه «الصفقة المروّعة» أحادية الجانب، ولم يكن ينبغي أبدًا عقدها، فبعد رفع العقوبات، استخدم النظام أمواله الجديدة في بناء صواريخ قادرة على حمل السلاح النووي، وهذه الصفقة «المتواضعة»، التي تنتهي بعد مرور 15 عامًا، لم تؤد إلا إلى تأخير الوقت المطلوب لامتلاك إيران سلاحها النووي.

وقد سارع أوباما بالاعتراض على انسحاب أمريكا من اتفاق يعتبره انجازاً له، قائلاً «إن نقض الاتفاقيات التي تكون بلادنا طرفاً فيها يقوّض مصداقيتها، ويضعنا على خلاف مع القوى الكبرى في العالم». فجاءت رسالة ترامب له في إشارته إلى «الإدارة السابقة» التي أبرمت اتفاقاً ضعيفاً لا يليق بأمريكا، ثم لمز أوباما بقوله: «لم تعد الولايات المتحدة تصدر تهديدات فارغة، فعندما أقدم وعوداً، فأنا أحافظ عليها».

وبانتقاد قبول أوباما بهذه الصفقة المعيبة، فإن ترامب يوصل اللوم بالضرورة إلى كل من شارك في صياغتها وتوقيعها، وحين يقلل من قيمتها فإنما هو يسائل من يقف وراءها ومن يدعمها من حلفاء وشركاء حاولوا جاهدين ثنيه عن عزمه بالانسحاب دون جدوى، فإيران في اعتقاده لم تتوقف عن تطوير ترسانتها النووية وإن أبطأت، وهو يعرف أن جل اهتمام الدول التي وقعت الاتفاقية كان المكسب المادي من العقود الاستثمارية مع إيران التي تلت رفع العقوبات.

في خطابه التاريخي، وجّه ترامب رسالة إيحائية إلى كوريا الشمالية فحواها أنه لن يقبل إلا بصفقة حقيقية لا تشبه الاتفاق الإيراني، فأمريكا لن تكون رهينة للابتزاز النووي وهي تسعى للحفاظ على توازن القوى. لكنه وجه رسالته الأقوى والأكثر تحفيزاً إلى الشعب الإيراني «الذي طالت معاناته»: «إن شعب أمريكا يقف معك.. لقد انقضت الآن أربعون سنة منذ أن استولت هذه الديكتاتورية على السلطة وأخذت شعباً أبيّاً رهينة لها. أكثر من 80 مليون مواطن لم يعرف للأسف إيران المزدهرة في عصر السلام مع جيرانها والعالم المنبهر بها. لكن مستقبل إيران سيكون لشعبها، فهم أصحاب الحق في ميراثها الحضاري والثقافي الثري».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store