Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الأسطول المدعوم «إيرانيا» لتمويل الأسد

ترجمة د. بشرى الفاضل

A A

ترجمة د. بشرى الفاضل
لم يعد سرًّا أن النظام الإيراني ينظر إلى الحرب الطاحنة الجارية حاليًّا في سوريا على أنها همٌّ داخلي أكثر من كونها سياسة خارجية. ويقوم فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بتدريب وتمويل مجموعة من الميليشيات الطائفية الشيعية والعلوية في سوريا لخوض حرب؛ لم تتمكن قوات بشار الأسد التقليدية من الانتصار فيها بأنفسهم في القصير وحمص هذا العام دون تدخل عسكري مباشر من حزب الله المدعوم من إيران، حيث كانت تلك الأراضي ستظل تحت سيطرة قوات المعارضة السورية لولاً هذا التدخل. ولا عجب في أن مهدي طالب، أحد المقربين من المرشد الإيراني علي خامنئي، وصف سوريا وصفًا أصبح شهيرًا، بأنها تشكل المقاطعة رقم 35 لإيران، وأن فقدانها سيؤدي إلى سقوط الجمهورية الإسلامية.
والآن ظهرت أدلة وثائقية تدل على أن إيران -التي سبق لها مساعدة النظام في دمشق في بيع وشحن نفطه إلى مشترين دوليين- تقوم الآن بشحن الخام الخفيف إلى سوريا بشروط وتعاقدات ميسرة، وبذا فإن النظام الإيراني يقوم بتوزيع موارده الطبيعية بالخارج، في الوقت الذي يتضور فيه الشعب الإيراني جوعًا؛ بسبب العقوبات الدولية المنهكة الناتجة عن أزمة البرنامج النووي.
هنالك حزمة من الوثائق حصلت عليها مجلة «فورين بوليسي» مُؤخَّرًا، تشير إلى أن إيران قد قامت ببيع شحنات بلغ مجموعها نحو 4 ملايين برميل من النفط الخام الخفيف خلال العام الماضي إلى سوريا، بخصم 10 في المئة على الأقل منذ مايو من هذا العام، عندما كانت أسعار النفط العالمية حوالى 98 دولارًا للبرميل الواحد. بحيث تتحمل الحكومة السورية فقط 88 دولارًا للبرميل الواحد، لا تشمل رسوم النقل، وفوق ذلك فإن هذه التكلفة تدفع من قرض إيراني لسوريا طويل الأجل بقيمة 3.6 مليار دولار؛ خصصته طهران لدمشق قبل بضعة أشهر لمساعدتها في مواجهة الآثار الاقتصادية للحرب الأهلية المدمرة المستمرة لما يقرب من ثلاث سنوات. وفي الواقع ربما لا يستطيع بشار الأسد سداد هذا القرض، وليس من المرجح أن يتوقع منه الإيرانيون ذلك، وينظر النظام الإيراني لبقاء الأسد كمسألة جوهرية تتصل ببقائهم نفسه. وبذا فإن إيران لم توفر فقط الوقود لدمشق، بل وفرت الأموال التي يتم بها شراء هذا النفط الخام الخفيف بأسعار مخفضة.
ديفيد باتر، خبير في قطاع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط في بيت الخبرة (تشاتام) ومقره لندن، وجد أنه قبل الحرب الأهلية في سوريا كان إنتاجها من النفط 385 ألف برميل يوميًّا، يصدر منها حوالى 150الف برميل، والبقية تتم معالجتها من خلال المصافي للاستهلاك المحلي. ولكن الإنتاج المحلي بدأ في الانخفاض بسرعة في عام 2012، عندما تصاعدت أعمال العنف في البلاد. الآن سوريا تنتج فقط 20 ألف برميل يوميًّا، وتستورد يوميًّا حوالى 130 ألف برميل من النفط الخام، بالإضافة إلى منتجات من الخارج. ويقول ديفيد باتر: إن قطاع النفط في سوريا أصبح -وباعتراف النظام نفسه- على وشك الانهيار، بخسائر مباشرة أو غير مباشرة تُقدّر اعتبارًا من أكتوبر 2012 بنحو 2.9 مليار دولار. وصرح وزير النفط السوري من جهته أن دمشق تنفق 400 مليون دولار شهريًّا على واردات الوقود.
وتتضمن حزمة الوثائق التي حصلت عليها مجلة «فورين بوليسي» كذلك، عقدًا بتاريخ 31 مايو 2013، بالتصديق على بيع أكثر من مليون برميل من الخام الخفيف الإيراني إلى سوريا، وقد تم تسليم هذه الشحنة في ميناء بانياس من «كاميليا»، وهي ناقلة نفط تملكها شركة عنوانها مسجل في مكاتب تابعة لشركة الناقلات الوطنية الإيرانية في طهران، وهي أكبر شركة ناقلة في الشرق الأوسط، تابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية، وينص العقد على أن عملية الشراء إمّا أن تتم مباشرة بين المصرف المركزي الإيراني والمصرف المركزي السوري، أو عبر خط الائتمان الذي تم تخصيصه من قبل الحكومة الإيرانية لسوريا.
الكثير من النفط يذهب من إيران إلى سوريا، وممّا لا شك فيه أنه مخصص للحفاظ على آلة الحرب المدمرة لنظام الأسد، ومع الخصومات والقروض فهي شحنات مجانية إلى حد كبير، وهذا يعني أن النفقات الحقيقية يتحملها الشعب الإيراني الذي يتم إفقاره. أمّا بالنسبة لسوريا، فإن أسوأ كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين حتى الآن هي استخدام الأسلحة الكيميائية، وما ترتكبه الدولة السورية حاليًّا من تجويع لشعبها في دمشق، ووباء شلل الأطفال على الصعيد الوطني، بينما لا يظهر النظام السوري أي علامة للتراجع عن القتال، بل بالعكس، فمنذ إطلاق العنان للأسد باستخدام غاز السارين دون عقاب، فإن ثقته قد ازدادت. ومع ذلك، فإن الغرب ظل غير راغب في تسليح المقاتلين السوريين، ومتشدد حيال التدخل المباشر في الحرب الدائرة على أرض سوريا، ولا يزال يتوقع حلاً بوساطة مع النظام، الذي لا يوجد لديه حافز لمثل هذا الحل وهذه الوساطة، ويعمل على الحفاظ على نفسه بالحصول على النفط الإيراني مجانًا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store