Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

زيارة تاريخية.. وتحالف إستراتيجي جديد

No Image

عندما تصف وسائل الإعلام العالمية زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالزيارة الاستراتيجية، وأن هذه الزيارة هي القمة الأهم بين البلدين منذ سبعين عامًا، فهذا يعني أن الملف الذي حمله خا

A A
عندما تصف وسائل الإعلام العالمية زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالزيارة الاستراتيجية، وأن هذه الزيارة هي القمة الأهم بين البلدين منذ سبعين عامًا، فهذا يعني أن الملف الذي حمله خادم الحرمين للمباحثات يحمل تغيرات استراتيجية في سياسة التحالفات السياسية للمملكة.
لقد استطاع الملك سلمان ببصيرته النافذة، أن يدرك أن لا مجال للتحالف بين قوة مهيمنة وقوة أخرى إلا إذا كان لهذه القوة مجالها الحيوي في إقليمها، أي تحالف قوتين دولية وإقليمية بما يخدم مصالحهما المشتركة، لا بما يخدم مصالح القوة المهيمنة، ولذلك ستكون المباحثات استراتيجية بكل ما في الكلمة من معنى، وكي تؤسس سياسة تحالف جديدة للقرن الحادي والعشرين.
كانت المملكة في الماضي تعتمد على ثروتها النفطية، وحين أدركت أن هذه الثروة لا بد لها من رديف عملت على تثبيت دعائم قدرتها الاقتصادية التي تمكنها من الوقوف جنبًا إلى جنب مع القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، فالاقتصاد ركن هام من أركان الدول الراسخة التي لا تهزها رياح التحولات الاقتصادية في العالم، وقد نجحت المملكة الى حد بعيد في هذا المجال بحيث أصبحت رائدة في مجال الاستثمار العالمي، أو جلب الاستثمارات العالمية لمشروعاتها التي تغري كبرى شركات الاستثمار في العالم.
لقد حققت المملكة نجاحًا اقتصاديًا باهرًا حيث أدرك الملك سلمان مبكرًا أن هذا البنيان الاقتصادي الشاهق لا بد له من قوة تحميه وتحافظ عليه في ظل التقلبات السياسية والعسكرية في العالم، فكان لا بد من التقدم خطوات للأمام وبسرعة مذهلة في مجال الدور السياسي والعسكري الذي يمكن ان تلعبه المملكة في محيطها الاقليمي على الأقل، كي تضمن أن تحالفاتها الجديدة ستكون في خدمة مصالحها ومصالح امتها وخدمة الأمن والاستقرار في المنطقة.
لقد استطاع خادم الحرمين وخلال العام الأول من حكمه أن يضع هذه الحقيقة على طاولة المفاوضات مع أي طرف إقليمي أو عالمي بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تحاول فرض سياستها على الطرف الآخر، فقد استطاع أن يقود تحالفا إقليميا هو الأول من نوعه في المنطقة، وهذا التحالف قائم على قوى إقليمية لا يستهان بها تدعم الدور الإقليمي للمملكة، بحيث تكون المقاليد السياسية والعسكرية بيد المملكة، كي تبني تحالفها الجديد على أساس هذا الدور الذي يمكن أن تلعبه مستقبلا في مجال السياسة الدولية والإقليمية.
ومن هذا المنطلق فإن تدعيم القدرات العسكرية للمملكة سيكون في مقدمة الأولويات لأي تحالف لها مع القوى الدولية والإقليمية، وأن على الولايات المتحدة أن تفكر جديًا في هذا الأمر إذا أرادت أن تقيم تحالفًا استراتيجيًا مع المملكة، وإذا أرادت أن تستفيد من توجه المملكة لتنمية قدراتها العسكرية لتكون القوة العسكرية العربية الأولى التي يمكنها من مواجهة التهديدات الإيرانية وغيرها من التهديدات الأمنية في المنطقة.
لقد جاءت هذه الزيارة بعد سلسلة من الزيارات والمفاوضات الاقليمية والدولية التي تبعث بإشارات للولايات المتحدة الامريكية تفيد بأن أي تحالف سعودي أمريكي جديد يجب أن يقوم على قواعد جديدة يمكن المملكة من لعب دورها الذي يليق بها كقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية، ويحقق لها مصالحها في عالم لا يبني تحالفاته الا على مصالحه.
لذلك وقبل القيام بهذه الزيارة التاريخية كان يجب على الولايات المتحدة الامريكية أن تعي أن أي تسوية للوضع السوري، يجب أن يكون في سلم أولوياتها زوال نظام الأسد، ذلك ان المملكة تدرك ان النظام السوري يشكل واسطة العقد في الهلال الشيعي، وأن زوال هذا النظام سيكون بداية انهيار هذا الهلال.
وكان لا بد للولايات المتحدة الأمريكية ان تدرك أن اليمن هي خاصرة المملكة، ولا يمكن أن تسمح بأي حال من الأحوال أن تترك الأخطبوط يتسلل إليها، وأن التحالف الذي تقوده من أجل القضاء على هذا الأخطبوط في اليمن يجب أن يحظى بالدعم الأمريكي إذا كانت الولايات المتحدة راغبة في التأسيس لسياسة استراتيجية طويلة المدى مع المملكة.
وكان لا بد للولايات المتحدة الامريكية أن تدرك أن القضاء على الإرهاب في المنطقة لا يمكن أن يتم بعيدًا على الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه المملكة في مجال تجفيف مصادر تمويله، أو في مجال خلق تحالفات عربية وإقليمية قادرة على محاصرة هذا الإرهاب ووأده، وعلى الولايات المتحدة أن تعترف بهذا الدور وتبني تحالفها مع المملكة على أساسه.
ومن أجل خنق الأصوات الناعقة داخل الولايات المتحدة الأمريكية فقد استطاع الملك سلمان أن يدخل الكثير من الإصلاحات على السياسة الداخلية للمملكة سواء من خلال كسر هيمنة بعض القوى التي كانت تشد المملكة إلى الخلف، أو من خلال فتح آفاق الحرية وتمكين الشباب من لعب دور أساسي في مختلف المجالات، أو من خلال تقليم أظافر التطرف التي تسمح للأصوات الناعقة بالمس ولو من طرف خفي بالمملكة.
هذه الزيارة التاريخية التي توجت ببيان مشترك يشير إلى التحول الإستراتيجي في التحالف بين الدولتين، ما تزال تخفي وراء سطور هذا البيان الكثير من التحولات في موازين قوى التحالف لصالح المملكة، وهذا ما ستكشف عنه التطورات التي ستشهدها المنطقة مستقبلا.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store