إنهم يبتذلون الغيب

إنهم يبتذلون الغيب
عندما أتابع ما تسمح لي الصدفة بمتابعته ، من حديث بعض الوعاظ الذين أطلقوا على أنفسهم مسمى ليس له أصل في تاريخنا السحيق (( الدعاة )) ، أستعيد على الفور وبشكل لا شعوري ، مدى الأدب والتواضع الجم والبعد عن الادعاء الذي كان يتميز به الأنبياء في مخاطبتهم لأقوامهم . بعض هؤلاء الوعاظ لا يجد حرجاً في الحديث على الملأ عن رؤية رآها في منامه جمعته بالرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، بل إن واحداً منهم ذكر أمام شاشة التلفزيون بأنه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ثلاث وخمسين مرة ! والطريف أن الواعظ إياه ذكر تفاصيل كل رؤية من تلك الرؤى من خلال برنامجه التلفزيوني . واعظ آخر طبقت نجوميته الآفاق ، استقبل اتصالاً زعم فيه المتصل بأن حاجاً كانت قد أخذته سِنة من نوم أمام الكعبة المشرفة ، رأى النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه وهو ينادي باسم الواعظ نفسه ، آمراً إياه بأن يبلغ الحجيج بأن ربهم قد غفر لهم وتقبل منهم . وطبعا فقد أرخى الواعظ رأسه إلى الأسفل ، وتهدج صوته وراح يلهج بكلمات الشكر والثناء لله سبحانه وتعالى ! عشرات بل ربما مئات من القصص والروايات المماثلة وردت في مثل هذه البرامج التلفزيونية ، حتى تم ترسيخ ثقافة التغييب القائمة على ابتذال الغيب أكثر مما هي مترسخة بالفعل ، فإلى متى تستمر هذه السلوكيات التي تقوم على تزكية النفس التي حذر الله سبحانه وتعالى منها : (( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلاً )) النساء . مقابل هذا الخُلق الذي يتسم بالفوقية والتعالي والادعاء وتزكية النفس ، يعطينا القرآن نموذجاً مختلفا قائما على التواضع والأدب الجم ، من قبل الأنبياء عليهم السلام : (( وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ )) هود. الخطير أن ذلك المنطق المتعالي وهذا الخطاب الغارق في الغيبيات والذي ابتذل الرؤيا التي كانت معجزة يوسف عليه السلام ، لم يعد يقتصر على حلقات الوعظ بما فيها برامج التلفزيون ، بل إنه أصبح أداة لتجييش الأتباع ضد الخصوم السياسيين . وما القصص والأساطير التي سمعناها في مسجد رابعة العدوية بالقاهرة حيث يحتشد أنصار ( شرعية المنامات والرؤى ) إلا مجرد ترجمة عملية لمعتقدات مزجت بين الدين والسياسة ، وجعلت الأول في خدمة الثانية ، فأي ابتذال للدين هذا ، وأي اجتراء على الرموز الغيبية بما فيها الملائكة التي شوهدت في الحرب السورية ، وشوهدت في مسجد رابعة العدوية ، بعد أن شوهدت مراراً وهي تقاتل في كهوف أفغانستان ضد الجيش الأحمر الذي خسر كثيراً من دباباته بعد أن كان ( المجاهدون ) يقومون بحثو التراب عليها ..؟! أرجو أن تكون نهاية الفكر الإخواني في مصر ، نهاية لهؤلاء جميعاً .

أخبار ذات صلة

وطنٌ يسكُن القمّة دائماً
الجيش السعودي الثاني..!!
شذرات
التحول الصناعي
;
مؤسسة «تكوين».. تصادر الفكر العربي وتعلن وصايتها عليه (3)
إلى أولئك الذين يحجون كذبًا!
يوم التروية.. «وجعلنا من الماء كل شيء حيٍّ»
مخبز الأمل الخيري.. مبادرة سعودية
;
ليه ما عزمتوني؟!
الحج المفتوح!
ومضات ‏على رحلة الحاج.. من الفكرة إلى الذكرى (2)‏
هل تخنق البروباغاندا الأمريكية دبلوماسيتها العامة؟!
;
أغرب الشائعات خلال العقد الماضي!
بعض الأصدقاء..
خدمات الحج: تجربة لا تُنسى
قليلٌ من الحياء.. يا أدعياء الشهرة