هل حقيقة الذي فجّر نفسه سعودي؟

هل حقيقة الذي فجّر نفسه سعودي؟
كل مدينة لها وجهان: وجه حقيقي، ووجه أنت تخلقه لتلك المدينة التي تحبّها.. هناك مدن ألوان أشجارها المتسلّقة على الحوائط تسكب ألوانها فوق عينيك، ما أن تطأ قدماك ترابها، وتتنفس هواءها تعاملك كضيف، تفتح صدرها لك، وتشاركك نسيمها، وأخرى تسرق منك حقيبة الأمنيات التي تحملها بداخلك. ففي المدن والقطارات والمرافئ والحدائق تترك أشخاصًا يتحوّلون في الذاكرة إلى ظلال ممحوة، تترك ذكريات وتجارب جميلة، وهفوات وندمًا وهباءً منثورًا، لكن يظل موظف الاستقبال في الفندق في كل المدن عنوانًا لها بلا منازع.. وللأسف أن كل موظفي الاستقبال في مدن العالم يتوخون منك إعجابك بمدينتهم، وفنها، وحبك لموسيقاهم بنفس عشقهم لمدينتهم التي هم عليها. أمّا في عاصمة النور باريس، فما حدث لي في رحلتي الأخيرة شيء آخر.. عند وصولي سحبني موظف الاستقبال في الفندق (العربي الأصول) في الهموم العربية، وطاف بي في مدنها وعواصمها؛ حتى أحسست أن وقوفي أمام مكتب الاستقبال أصبح طويلاً كأغنية من أغاني أم كلثوم.. يسألني وهو يطلق تنهيدة: «هل حقيقة الذين يفجرون أنفسهم سعوديون؟». السؤال حمّالة أوجه كان يتحدث بملمس خشن يذكرني بالجفاف الصحراوي، لماذا يحاول الشباب في بلادكم أن يهدموا أمنهم وبأيديهم؟ ألاّ يفكرون في ثروة البلاد وأمنها؟ أليست الفوضى، وانعدام الأمن، وانهيار الاقتصاد في الدول المجاورة تجربة قاسية لهم؟ ألا يعلمون أن نماء المملكة في أمنها، وأن المجتمع لا يكون بخير إلاّ عندما يكون آمِنًا؟ لقد عملت سنوات في أحد فنادق جدة، وكنت أنعم بالأمن والأمان ببلادكم. وعندما بدأت أوضح له أن أبناءنا بخير وليس كلهم منحرفين فكريًّا، والكثير منهم نباهي بأعمالهم وأقوالهم ووطنيتهم، ما كان منه إلاّ أن عنّفني بكلمات كالرصاص: هل هو فعلاً الطبيب سعودي الذي فجّر نفسه! قالها وسكت، فجأة كنت كالملسوعة أستمع إليه وهو يتحدّث.. شعرت بالألم في كلامه.. افترسني ضيق مخيف، وتكومت في داخل نفسي، وزفرت بحرقة متفاديًا النظر إليه، وغادرت الاستقبال، وتمتمت وأنا أكتفي بهـزة صغيرة من رأسي.. للأسف إن الدكتور الذي فجّر نفسه سعودي..!

أخبار ذات صلة

هل التجنيد العسكري هو الحل؟
حصاد الخميس..!!
أهالي شدا الأعلى والتعاون المثمر
خيارات المسيَّر: ملكوت الشعر وجنونه
;
علامات بيولوجية جديدة للكشف عن السرطان
معيار الجسد الواحد
قراءة.. لإعادة هيكلة التعليم وتطويره في بلادنا
دراسة الرياضيات
;
«يا أخي الهلاليين لعيبة»!
الضحايا الصغار.. وغفلة الكبار
طريق الفيل: أثر «الأحلام» الخائبة (3-3)
جامعاتنا.. ونموذج أرامكو في التأثير المجتمعي
;
لا حج إلا أن يكون بأرضها!!
إسرائيل.. كلبٌ بأسنانٍ حديدية
ابنك النرجسيُّ.. مَن يصنعُهُ؟!
قرار حكيم.. «الآن تنطقون» ؟!