تقارب إنساني حقيقي ..!
تاريخ النشر: 02 يوليو 2010 05:18 KSA
* من يدرس تاريخ الأمم وخبايا حركته البشرية يندهش للكم الهائل من النزاعات والحروب وأشكال الدمار ويتساءل عن الأسباب التي أدت إلى كل ذلك خاصة حينما يلجأ المتحاربون إلى آليات تدميرية كما حدث في الحربين الكونيتين الأولى والثانية وخاصة إلقاء أمريكا قنبلتين نوويتين على كل من هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين لازال الأهالي والتربة والبيئة والجماد يعانون منهما حتى اليوم.
* النفس البشرية فتاكة ومرعبة حينما تتخلى عن إنسانيتها وتترك زمامها للمصالح الخاصة أو للاعتبارات اللا إنسانية كما يحدث مع الساسة. فالساسة وعبر التاريخ هم أكثر المتعطشين إلى السلطة والسيطرة والهيمنة وهم أكثر المتطلعين إلى أمجادهم الشخصية بغض النظر عن أخلاقية الوسائل أو إنسانية الآليات التي يستخدمونها وحكمتهم الدنيوية المقولة المكيافيلية: «الغاية تبرر الوسيلة».
* أعرف أن حديثي هذا لن يعجب كثيرين حتى من أنصاف المثقفين ومن الوصوليين بخاصة فيقولون باستهجان هذا خيال وهذه مثالية وعالم حالم لا يوجد سوى في الروايات والقصص الخرافية ومدينة أفلاطون الأسطورية، فواقع الحياة ومعاركة تقلباتها ومجاهدة تلوناتها يُحتم استخدام كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة لتحقيق الأهداف حتى وإن تعارضت مع الشرائع والأخلاقيات. وغير ذلك طوباوية لا واقعية لا توجد سوى في خيال الطوباويين أنفسهم ولهم وحدهم فقط.
* التفاعل الحضاري بين أبناء البشرية ومنذ بداية تكونه أخذ أشكالاً عدة وصبغته ألوان متنوعة منها الدموي ومنها الإنساني وفيها القسوة والرحمة، فأي تفاعل بين الأمم ثنائياً كان أم جماعياً يشهد السلب كما الإيجاب، وهذه حقائق تكاد تكون مسلمة لحدوثها الفعلي في الحياة البشرية، ولكن وبرغم كل ذلك نقول لا في مثالية حالمة أو طوباوية أسطورية بل واقع معاش وعلى طوال امتداد الحياة البشرية إذ بالإمكان حصر النزاعات في أقل مستوياتها ومنع حالات الانفجار التي تؤدي إلى دمار وخراب وحروب تسيل فيها دماء بريئة، كما أنه بالإمكان تحقيق كل الطموحات الخاصة والذاتية دون القفز على الأخلاقيات أو تحطيم الفضائل أو وأد المبادئ.
* الحضارات الإنسانية المؤثرة والخالدة لم تبنها الدماء ولم تُدمها الحروب بل الانتصارات العلمية والاكتشافات الإبداعية في كل مناحي الحياة العلمية والطبية والاقتصادية والمعرفية والتقنية. وهكذا انتصارات قربت الأمم إلى بعضها البعض ونحن في زمننا هذا نعيش حالة تقارب وتواصل لم تعرفها البشرية على الإطلاق طوال فترات تاريخها.. فالكون كله بكل أركانه واتجاهاته تحول إلى منزل صغير يضم عائلة واحدة يسهل التواصل بين أفرادها.
* ومن أجل تحقيق تقارب إنساني عالمي حقيقي فإبعاد الساسة عنه أو على أقل تقدير قبولهم بنبذ العنف والذاتية المتطرفة هو أول خطوات نجاح وتحقيق ذلك التقارب، ولعل فيما يحدث الآن في نهائيات كأس العالم في جنوب إفريقيا هو أحد أهم الوسائل والآليات التي تحقق تقارباً عالمياً إنسانياً في كل مكوناته. فالمناسبات الرياضية والمعارض الدولية للكتاب وللفكر والتواصل المعرفي بين المؤسسات والهيئات والأكاديميات لا تخلق سوى أجواء فرح وانسجام لانعدام الذاتية والمصالح الخاصة ومن هكذا فعاليات ينجح التقارب والتفاعل الحضاري الإيجابي بين أمم الأرض كلها بغض النظر عن أي شيء آخر.