من يشتري ؟!

من يشتري ؟!

يحمل الشعر في نسيجه الإبداعي عبقا من الحكمة المكينة والموعظة الدافقة، ويُحيلُ في الآن ذاته الرؤيةَ والرأيَ إلى معان شعرية تتجلى فيها عبقرية اللغة الشاعرة، وتتآزر فيها براعات التصوير وبراءات الدفق الشعوري الخفَّاق؛ لتأتي الصنعة الشعرية مزيجًا من الواقع والخيال، ومزجًا بين الإمتاع والإقناع، وتراسلًا بين الحواس والمعاني، وتواشجًا في ذاكرة النظم والتأليف.وقد وقعت على قصيدة رأيتها نموذجًا شعريًا فريدًا في الصنعة والإحكام اللذيْن تَمَثَّلَهُمَا الشاعر في تصويره للدنيا وحقيقة أمرها ومآلها ومدارها ومسارها، وجملة ما توصف به من كونها دار فناء، وأن الآخرة دار الخير والبقاء، كل ذلك في حكمة شعرية رائقة تدين لها النفس بالتأثر والتسليم، ولا يملك من يطالعها إلا أن يذعن لمعانيها الدالَّة، ودلالاتها القارَّة، ومضامينها الجامعة لشعرية الحكمة والوعظ والإرشاد، وتضافر القيمة الجمالية وتأثيرها العميق مبنى ومعنى.وفي هذه القصيدة من معين العبرة ومنابع العظة والحكمة تجليات شعرية آسرة، من البحر البسيط تقول أبياتها:النفس تبكي على الدنيا وقد علمتأن السَّلامة منها ترك ما فيهاﻻ دار للمرء بعد الموت يسكنهاإﻻ التي كان قبل الموت يبنيهافإن بناها بخير طاب مسكنهوإن بناها بشر خاب بانيهاأموالنا لذوي الميراث نجمعهاودورنا لخراب الدهر نبنيهاﻻ تركنن إلى الدنيا وما فيهافالموت ﻻ شك يفنينا ويفنيهالكل نفس وإن كانت على وجلمـن المنيــة آمال تقويـهاالمرء يبسطها والدهر يقبضهاوالنفس تنشرها والموت يطويهاوالنفس تعلم أني ﻻ أصادقهاولست أرشد إﻻ حين أعصيهاواعمل لدار غدًا رضوان خازنهاوالجار أحمد والرحمن ناشيهاقصورها ذهب والمسك طينتهاوالزعفران حشيش نابت فيهاأنهارها لبن محض ومن عسلوالخمر يجري رحيقا في مجاريهامن يشتري الدار في الفردوس يعمرهابركعة في ظلام الليـل يحييهانسيجٌ شعريٌ مغزولٌ بمعاني الحكمة ودلالات الواعظ، بزغت فيه صور الدنيا في أشكالها الخادعة وشكولها الخاوية، وانسجمت فيه تصورات الآخرة وتطلعات راغبيها، وتجلَّت المقاصد والمضامين في خطاب شعري منسجم في دواله، ومحبوك في دلالاته، ومعبر عن حقيقة الداريْن، قصيدةٌ علا صوتها وتعالى صداها، وقرَّرت مصيرها، فيها تنطق المعاني وتتكلم الحروف بأسمى ما يكون عليه المعنى، وأبلغ ما يستجيده الحرف العربي الأصيل.تلك من أنباء الشعر الحكيم وإنباء الخواتيم عن داريْن، إحداهما متاع وغرور، والأخرى إمتاع وأجور، أولاهما فناء والأخرى بقاء، فأيهما نَشْتَرِي؟ وأيهما نَشْرِي..؟

أخبار ذات صلة

هل التجنيد العسكري هو الحل؟
حصاد الخميس..!!
أهالي شدا الأعلى والتعاون المثمر
خيارات المسيَّر: ملكوت الشعر وجنونه
;
علامات بيولوجية جديدة للكشف عن السرطان
معيار الجسد الواحد
قراءة.. لإعادة هيكلة التعليم وتطويره في بلادنا
دراسة الرياضيات
;
«يا أخي الهلاليين لعيبة»!
الضحايا الصغار.. وغفلة الكبار
طريق الفيل: أثر «الأحلام» الخائبة (3-3)
جامعاتنا.. ونموذج أرامكو في التأثير المجتمعي
;
لا حج إلا أن يكون بأرضها!!
إسرائيل.. كلبٌ بأسنانٍ حديدية
ابنك النرجسيُّ.. مَن يصنعُهُ؟!
قرار حكيم.. «الآن تنطقون» ؟!