الرقابة الذاتية تقتل الأفكار

عند الحديث عن الرقابة الذاتية فإن أول ما قد يخطر في الأذهان هو ذلك الإحساس الإيجابي الذي يشعر به الشخص فيحول بينه وبين ارتكاب الخطأ خوفٌ من الله أو استشعار بالمسؤولية دون وجود مسؤول يذكره بما يجب عليه القيام به.

غير أن ما أتحدث عنه هنا هو أمر مختلف تماماً عن ذلك المفهوم الإيجابي، فهي رقابة ذاتية غير أنها سلبية تتسبب في تدمير الأفكار ووأدها قبل حتى أن ترى النور.


هذه الرقابة الذاتية أو Self-Censorshipيعرفها الصحفيون والكتَّاب أكثر من غيرهم وإن كانوا في كثير من الأحيان ينكرون إصابتهم بها أو تأثيرها عليهم، ويمكن تعريفها بأنها «إحساس داخلي يجعلك تبالغ في الحرص والخوف مما تريد قوله أو كتابته خشية من التعرض للانتقاد أو حتى الهجوم بمختلف أشكاله ودرجاته».

ومع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي ازدادت حدة هذه الرقابة الذاتية نتيجة للضغوط الكبيرة المختلفة بإمكانية تعرض الشخص للشتم أو التهديد أو التصنيف عند تعبيره عن رأيه. هذا الإحساس والخوف يجعل الشخص يلجأ إما إلى الاحتفاظ برأيه في داخله، أو التصريح به لكن مع الكثير من عمليات التجميل والتحوير التي تفقد الفكرة معناها وتفرغها من مضمونها.


مفهوم الرقابة الذاتية ينبع من نظرية تسمى «الفكر الجمعي» Groupthink »، والفكر الجمعي يعني الميل لممارسة التفكير واتخاذ القرارات بشكل جماعي يؤدي إلى قتل الإبداع، وكثيراً ما يتم انتقاد كل من يخرج عن إطاره.

انتشار السعي خلف الشعبوية وشغف زيادة المتابعين جعلت الرقابة الذاتية تمارس دورها التدميري للأفكار والإبداع ليس فقط عبر الخوف من النقد ولكن أيضاً عبر البحث عن رضا المتابعين (القطيع).

جزء كبير من نخبنا الثقافية والإعلامية يعاني دون أن يشعر من متلازمة الرقابة الذاتية، والحقيقة أني لا أعتقد أن هناك كاتباً لم يراوده ذلك الإحساس، ولدي شخصياً العديد من مسودات التغريدات التي كتبتها ثم قررت عدم نشرها تجنباً لردود الفعل المحتملة حولها، وهذا في اعتقادي طبيعي ما لم يصل الى الدرجة التي يقوم فيها الشخص بوأد أفكاره الواحدة تلو الأخرى خشية من ردود الفعل عليها والتي قد لا يكون كثير منها صحيحاً. وهنا ينبغي التفريق بينالرقابة والرقابة الذاتية، ففي كثير من الحالات تكون الرقابة الذاتية غير مرتبطة بالأنظمة والقوانين المفروضة والتي ينبغي مراعاتها، بل تكون نابعة من مخاوف وحسابات أخرى مختلفة.

في اعتقادي أن علىكل كاتب أو حتى مغرد أن يقوم بتحليل مستوى الرقابة الذاتية لديه وهل هي ضمن الحدود المقبولة التي لا تؤدي الى فقدان الكاتب لشخصيته ودفنه لأفكاره أو تشويهها خوفاً من الآخرين أو كسبا لودهم. وعليه بالتالي تدعيم ثقته بنفسه وإدراك أن إرضاء الناس جميعاً غاية لا تدرك، وأن مهنة الكاتب أو الاعلامي بطبيعتها تتضمن طرح آراء وكشف حقائق قد لا يحب البعض سماعها، ومن أولئك عموم الناس.

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»