Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»

A A
رغم تذمرنَا، والشَّكوى الدَّائمة من هيمنةِ قنواتِ التواصلِ الاجتماعيِّ على حياتنَا، واستنزافِ أوقاتنَا؛ إلَّا أنَّ لهَا فضلًا كبيرًا في جمعِ شملِ مَن تفرَّقت بهم السُّبل، وانتشرُوا في جنباتِ الأرضِ، ثم عادُوا يحملُون خلفَ ظهورهم جعبةَ الذكرياتِ، يبحثُون عن مساحاتِهم الصغيرةِ الحميمةِ لغرسِ ذكرياتِهم، ومشاركتِها مع مَن أمضُوا معهم وهجَ الطفولةِ ونهدةَ الصِّبَا.

هكذَا كانَ لنَا طالباتُ مدارس الزَّهراءِ «عمر عبدالجبار» بمبادرةٍ شخصيَّةٍ من الطالبةِ «ابتسام حلواني» أ. د. الاقتصادِ والإدارةِ بجامعةِ الملكِ عبدالعزيز، حيثُ أنشأتْ مجموعةً على واتساب، واكتملتْ بإصدارِ كتابِ «أبونا عمر»، لازالتْ المجموعةُ نشطةً في لقاءاتِها واجتماعاتِها.

كنَّا مجموعةً كبيرةً من الزميلاتِ من مدرسةِ الفتاةِ في مدارسِ الزهراءِ، يشدُّنا الحنينُ إلى من علَّمنا الحروفَ الأُولى، وأضاءَ عقولنَا بنورِ العلمِ، واحتملَ رعونةَ الطفولةِ في تلكَ السنِّ المبكرةِ في المرحلةِ الابتدائيَّةِ، السنوات التي قضيناهَا في مدرسةِ الفتاةِ. لمْ تغبْ صورةُ المديرةِ «صالحة» صاحبةِ المدرسةِ، وبناتهَا: اللاتي درسنَ على أيديهنَّ، أبلة «انتن» فاطمة، أبلة مريم -رحمة الله عليهنَّ- وأطالَ الله في عمرِ أبلة زهرة التي نتواصلُ معهَا هاتفيًّا حتَّى شدَّنا الشوقُ لرؤيتهَا.

ساهمتْ وسائلُ التواصلِ في مدِّ جسورِ التواصلِ بيننَا، عن طريقِ «فيسبوك» امتدَّ حبلُ الوصالِ بيني وبين إحدَى الزميلاتِ، حيث تواصلتْ معي على الخاصِّ تسألنِي إنْ كنتُ أنَا التِي درستُ في «الفتاةِ»! تواصلتُ معهَا على الهاتفِ، ثم اتفقنَا أنَا والزميلةُ والصديقةُ ناريمان داغستاني على تأسيسِ مجموعةِ «واتس»، ضممنَا مَن استمرَّت علاقتنَا معهنَّ منذُ التقينَا بهنَّ صدفةً، أو في مناسبةٍ، أو التقينا خارجَ المملكةِ، أو من طالباتِ الزهراءِ، حيثُ معظمُ خريجاتِ «الفتاة» توجهنَ في ذلكَ الوقتِ إلى الزهراءِ، والأخريات إلى معهدِ المعلماتِ حديثِ النشأةِ في ذلكَ الوقتِ، حيثُ المجالاتُ مغلقةٌ أمام الفتياتِ، إلَّا مَن ارتحلَ بهَا ذووهَا إلى خارجِ الوطنِ، كذلكَ مَن تيسَّر لنَا التواصلُ معهنَّ بعدَ بحثنَا عمَّن لازالتْ أسماؤهنَّ وعلاقاتنَا معهنَّ تملأُ ذواكرنَا، رغمَ أنَّنا لمْ نتمكَّن من الوصولِ إلى كثيراتٍ منهنَّ.

الأسبوع قبلَ الماضِي كانتْ زيارتنَا الأُولى لأبلة زهرة في منزلِ العائلةِ في مكَّة المكرَّمة. اجتمعنَا مع ذريَّة عم حسين وأبلة صالحة، البناتِ والحفيداتِ، كذلكَ التقينَا بزميلةِ الدراسةِ الطالبةِ حياة خفاجي أ. د. بجامعة أُمِّ القرى، الطالبات نوال وزهية المهندس، شوقية حمدي، نجاة زواوي، ناريمان داغستاني، فاطمة بغدادي، امتلأ الوقتُ بالحكاياتِ والذكرياتِ والأسماءِ الحاضرةِ في ذاكرةِ أبلة زهرة.

لطفية الخطيب؛ رائدةٌ من رائداتِ التعليمِ في السعوديةِ، ذكرتْ في كتابِها: «مع الفتاةِ السعوديَّةِ على طريقِ الأملِ»، الكثيرَ عن مدرسةِ الفتاةِ، حيثُ بدأتْ رحلتهَا مبكرةً مع تعليمِ الفتاةِ في مكَّة المكرَّمة وجدَّة، وعاصرتْ افتتاحَ مدرسةِ الفتاةِ منذُ كانتْ «مدرسة البناتِ تعلِّم القرآنَ وعلومَ الدِّينِ، وعاصرتْ تطوُّرها بعدَ أنْ أصبحتْ مدرسةَ «الفتاة» وانتقالهَا من مبنَى لمبنَى عندمَا ازدادَ إقبالُ العائلاتِ المكيَّة على إلحاقِ بناتهم بالمدرسةِ ثقةً في مؤسستهَا ومنهجهَا التعليميِّ.

في الكتابِ تُثني «الخطيب» على المديرةِ صالحة التِي زارتهَا في منزلهَا بعدَ ولادتهَا ابنتهَا ليلى للتهنئةِ، ولاستشارتهَا في افتتاحِ المدرسةِ، واستمرَّ دعمُ «الخطيب» لمدرسةِ «الفتاة» بحضورهَا الحفلَ السنويَّ الذي تقيمهُ المدرسةُ، وفي كلِّ حفلٍ تُلقي كلمةً تُثني فيهَا على تعليمِ «الفتاةِ»، وعلى الجهدِ الذي تبذلهُ المديرةُ والمدرِّساتُ، ومبادرة العائلاتِ إلحاقَ بناتهنَّ بالمدرسةِ حتَّى ضاقتْ بهنَّ الفصولُ والمبنَى، لذلكَ انتقلت المدرسةُ من مبنَى لمبنَى، لازلتُ أذكرُ المبانِي التي انتقلنَا إليهَا خلالَ سنواتِ الدراسةِ الابتدائيَّةِ، كانتْ مجبرةً للانتقالِ إلى مبانٍ تستوعبُ الأعدادَ الدافقةِ

من الفتياتِ طلبًا للعلمِ، ولأنَّ موقعَ المدرسةِ في وسطِ العائلاتِ المكيَّة، كانَ حافزًا لمزيدٍ من الدفعاتِ المتتاليةِ، فهي بينَ الشاميَّةِ والقرارةِ -حسب ما أذكرُ- لأنَّها مجبرةٌ كلَّ عامٍ على البحثِ عن مبنَى جديدٍ يستوعبُ الطالباتِ.

كذلك أتذكَّرُ أنَّ بعضَ الطالباتِ في صفِّي كنَّ كبيراتٍ، أيِّ أنَّ مدرسةَ «الفتاة» أنقذتْ كثيرًا من الفتياتِ من مختلفِ الأعمارِ من ظلامِ الجهلِ.

لكل منا قصص وحكايات عن أيام الدراسة في مدرسة «الفتاة»، لا نمل من تكرارها كلما التقينا، لكن في منزل أبلة زهرة، وإضافاتها وتوضيحاتها، كان للذكريات وهج وحلاوة وجمال.. غادرنا على أمل تكرار الزيارة مرة في الشهر.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store