غـزو البلهاء والحمقى..!

أتابعُ باهتمامٍ بعضَ ما يُنشرُ في وسائلِ التَّواصلِ الاجتماعيِّ، وتعليقاتٍ تحرَّرتْ أخيرًا من نَمطيَّةِ وسائلِ الإعلامِ التقليديَّةِ، نتيجةَ ثورةِ وسائلِ الاتِّصالاتِ، وانخفاضِ تكلفتِهَا، وهُو أمرٌ جيدٌ أتاحَ لعددٍ كبيرٍ من الأفرادِ بمختلفِ مرجعيَّاتِهم الثقافيَّةِ والاجتماعيَّةِ، اقتحامَها في أيِّ وقتٍ ومكانٍ، واكتشافَ العالمِ، والإدلاءَ بدلوهِم في موضوعاتٍ وقضايا مهمَّةٍ، والارتقاءَ بالفكرِ العامِّ، ونشر التوعيةِ السليمةِ، في تفاعلٍ مباشرٍ وسريعٍ مع الأخبارِ والأحداثِ والإشاعاتِ والمقالاتِ و»الهاشتاقات»، وحتَّى الأخبار العلميَّة والدِّراسات المتخصِّصة.

ومع ارتفاعِ سقفِ حريَّةِ إبداءِ الرأي لدَى أفرادِ المجتمعِ، وفتحِ المجالِ للمشاركةِ الاجتماعيَّةِ، وإظهارِ التوجُّهِ العامِّ، اختلطَ الحابلُ بالنابلِ، والغثُّ بالسَّمينِ، في صورةٍ عشوائيَّةٍ تصيبُ العاقلَ بالذهولِ، نتيجةَ فتحِ المجالِ بشكلٍ لا يمكنُ التحكُّم فيهِ لعددٍ كبيرٍ من أصنافِ المهووسِينَ، وأنصافِ المجانِينَ، وأشباهِ المتعلِّمِينَ، للظهورِ الفاقعِ والتأثيرِ المُخجِلِ، والمشاركةِ في انحدارِ الذوقِ العامِّ، ونشرِ التخلُّفِ الفكريِّ، وسوءِ السلوكِ واضطراباتِ الشخصيَّةِ، حيثُ تَسمحُ تلكَ المواقعُ لمَن يريدُ أنْ يفتحَ فاهُ بأنواعٍ القُبحِ، وينشرَ تفاصيلَ حياتِهِ الشخصيَّةِ، أو يقتحمَ خصوصيَّةَ الآخرِينَ، إلاَّ أنَّ المأساةَ الاجتماعيَّةَ تكمُنُ في امتلاكِ عددٍ من أولئكَ «المشاهيرِ» جمهورًا غيرَ قليلٍ، يُتابعُونَهم ويشجعُونَهم على بلاهتِهم، ويهتفُونَ لسخفِهم ومغامراتِهم الصبيانيَّةِ.


وأمَّا آخرُونَ فهوايتُهم التسكُّع في طُرقاتِ «السوشيال ميديَا»، لديهم أوقاتُ فراغٍ مديدةٌ، وعقولٌ أكثرُ فراغًا، يُصوِّرُونَ أنفسَهم في كلِّ موقعٍ وحالٍ، ولا يتردَّدُونَ في نشرِ عُقَدِهم العنصريَّةِ وأفكارِهم غيرِ السويَّةِ، أو أعراضِهم «النرجسيَّةِ»، يُراقبُونَ الدَّاخلَ والخارجَ، ينتقدُونَ بأسلوبٍ فظٍّ، وتعميمٍ مذمومٍ، وعاطفةٍ لا تخلُو من الشّططِ، يتحيَّنُونَ أيَّ تعليقٍ، أو تغريدةٍ للردِّ عليهَا كيفمَا اتَّفق، من أجلِ تسجيلِ حضورٍ، أو لفتِ انتباهٍ، ليس أكثر !!.

أذكرُ في هذَا السياقِ -مع مراعاةِ اختلافِ التشبيهِ وطبيعةِ المجتمعِ- قولاً يُنسَبُ للفيلسوفِ والروائيِّ الإيطاليِّ (أومبيرتو إيكو) الذِي تُوفِي عام 2016، واصفًا امتعاضَهُ ممَّا سبق: «إنَّ أدواتٍ مثلَ تويتر، وفيسبوك، تمنحُ حقَّ الكلامِ لفيالقَ من الحمقَى، ممَّن كانُوا يتكلَّمُونَ في الباراتِ فقطْ، بعدَ تناولِ كأسٍ من النَّبيذِ، دون أن يتسبَّبُوا بأيِّ ضررٍ للمجتمعِ، وكانَ يتمُّ إسكاتُهم فورًا.. أمَّا الآنَ، فلهُم الحقُّ بالكلامِ مثلهم مثل مَن يحملُ جائزةَ نوبل. إنَّه غزُو البُلهاءِ».

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»