حاصروا أم الذرائع

حين خرجت المليونيات الى الشوارع العربية قبل ست سنوات، رافعة شعارات التغيير، ظن من خرجوا أن إرادة التغيير قد آلت إليهم، وأنهم مستحقوها بفعل مظالم تعرضوا لها، أو بتأثير خطايا، تراكمت على مدى عقود طويلة، و توهم أغلبهم أن زمن الانتقال من السلطة الى الجماهير قد حانت ساعته، لكن منطق التغيير يأبى الخلط بين من يغير وبين من يتغير.

من يغير ، فاعل يمتلك إرادة التغيير، برسالة، واضحة، ورؤية مكتملة، وخطة، وبرنامج، وأدوات لتحقيق كل ما تقدم، أما من يتغير، فهو في الغالب مفعول به، مغلوب على أمره، لا يمتلك إرادة للفعل، ولا قدرة على رد الفعل، فهو متلقٍ في أغلب الأحوال، يطالع خارطته بعين الدودة الزاحفة، لا بعين الصقر المحلق، فلا يرى سوى موطىء قدميه.


بعد نحو ست سنوات من انطلاق الشرارة الأولى في أحداث ما يسمى بالربيع العربي، اكتشف كثيرون في الشارع، أنه لم يكن سوى « حريق عربي» أراد به بعض العرب تغيير بعض الحاضر، فغامروا بخسارة كل المستقبل.

الآن، بعد ست سنوات على اندلاع الحريق العربي، تتشكل المنطقة كلها تحت وطأته، فيما تطوقها النيران من كافة الزوايا، بينما تنكفىء قوى الفعل الدولية والإقليمية ، على إحداث ما تروم من تغييرات في خارطة الاقليم، تتبدل بها أوضاعه، وتنشأ على اثرها أوضاع جديدة طالما قاومها العرب لكن الأجيال العربية المقبلة قد لا تعرف سواها.


في غرفة الخرائط، يعكف الكبار على إعادة رسم خارطة اقليم، جرى تخيير شعوبه، بين أن تتغير طوعاً أو يجري تغييرها كرهاً، فالتغيير جارٍ بالفعل تحت وطأة نيران حروب خرج فرسانها الجدد من كتب التاريخ القديم، آملين أن يفرضوا بمنطق القوة، ما عجزوا عن فرضه بقوة المنطق.

مواجهة الارهاب، استدعت الخارج كله الى الإقليم، وزودته بذرائع الحضور المؤقت، وبمبررات الإقامة الدائمة، فالإرهاب الذي ضرب نيويورك وواشنطن في سبتمبر ٢٠٠١ ، قد استدعى القوة الأمريكية إلى الاقليم، بداعي ضرب إرهاب ضربها في عقر دارها، والإرهاب الذي ضرب لندن مراراً قد استدعى البريطانيين الى ساحتنا، والإرهاب الذي عصف مراراً بباريس، قد استدعى الفرنسيين الى محاربته فوق مسرح يمتد من مالي في الغرب وحتى سوريا والعراق في الشرق، والإرهاب الذي ضرب روسيا في القوقاز، استدعاها -كما تقول موسكو-، إلى تطويقه في الشرق الأوسط.

جماعات الإرهاب إذن هي أم الذرائع، التي توفر غطاء أخلاقيا وسياسياً للتدخل في شؤون الإقليم الى حد تمزيقه وإعادة رسم خرائطه، وأي جهد عربي لصيانة الحد الأدنى من استقلال الإرادة الوطنية العربية، ينبغي أن يبدأ بنزع الذرائع، وبتصفية الإرهاب، فكراً، وممارسة.

التحديث، هو أفضل السبل للإجهاز على حاضنات الإرهاب، لكن التحديث ليس مجرد اختيار، وانما قرار أنتجته إرادة واعية، لأمة بات صميم بقائها رهناً بانخراطها في نظام دولي لا مكان فيه للمتقاعسين، ولا للباحثين عن المستقبل في كتب التراث.

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»