غذاميُّ تويتر: الموقف.. والسلوك!!

قلت في أكثر من موضع إن الناقد والمفكر عبدالله الغذامي كان أحد الذين تنبهوا للتغيير الذي يحدث في هذا العصر، أعني عصر ما بعد الحداثة، ونبهوا على ضرورة أخذ التحولات الحاصلة، والتي ستحصل، بجدية ومسؤولية. وبعيداً عن نغمة التهويل الغذامية، فقد أثبتت الأيام أنه لم يكن مبالغاً في كثير مما تحدث عنه، وحذر منه، أو بشر به.

لقد تناول الغذامي هذه المرحلة بشمولية وتفصيل، فتحدث عن إرهاصات المرحلة، وعن أبرز العوامل والظروف والنتائج الحتمية لهذا التغير، من ذلك صعود نجم الجماهير على حساب النخب الفكرية، وسيطرة الصورة بأبعادها المختلفة، وتزعزع عدد من المبادئ الاجتماعية والثقافية التي كان يُظن أن رسوخها واتكاءها على تاريخ طويل سوف يحول دون اهتزازها وتغيرها.


اليوم بعد عشرين عاماً من قراره التاريخي والدراماتيكي (أعني انقلابه على النقد الأدبي) لا يزال الغذامي يمارس ما يؤمن به بحيوية شاب؛ ينشر كتبه ومقالاته التي تتناول شؤوناً ثقافية وقضايا فكرية متنوعة، ويدير حساباً نشطاً على موقع تويتر. هذا الحضور التويتري المكثف للغذامي يكرس رأيه الذي أعلن عنه سابقاً، كما يمثل تطبيقاً عملياً لكثير من مواقفه التي أعلن عنها في غير موضع.

لا بد أن أقول: إن الغذامي أضحى أحد المشاهير المؤثرين في هذه المنصة بآفاقها المفتوحة، وهو يحاول أن يستغل خبرته المعرفية والثقافية لجعل هذه الشهرة المستحقة طريقاً لتعزيز ما يؤمن به من قيم الحوار المتحضر والحرية المسؤولة وقبول الآخر المتعدد. يبدأ الغذامي حواره اليومي مع متابعيه - الذين تعلق كثير منهم به تعلق المريد بشيخه، أو تعلق المعجب بنجمه المشهور- ليناقش أهم القضايا السياسية والثقافية الراهنة. وتجد كلماته صدى لدى هذا الحشد من المتابعين الذين يحرصون على إعادة تغريد أقواله لتجري في الآفاق دون حدود.


ليس من المبالغة القول إن حساب الغذامي قد تحول إلى منصة مستقلة مفتوحة الأفق وواسعة التأثير؛ ومع أن تويتر يوفر هذه الإمكانات، لكن من الإنصاف أن نعترف للغذامي أن سلوكه (التويتري) الذكي كان خلف هذا النجاح وهذا الانتشار. والغذامي ليس جديداً على عالم القيادة الفكرية، فتاريخه شاهد كالشمس على قدراته في التأثير ومهارته في استغلال الظروف لفرض، أقصد لعرض، آرائه والدفاع عنها.

من هنا يحاول الغذامي جاهداً أن يعكس حسابه منظومة القيم التي يؤمن بها، ولعل أهمها هي الحرية بمفهومها الذي طرحه في كتابه ثقافة تويتر. كذلك يساهم الغذامي في تكريس مفهوم الحوار المفتوح كأداة وحيدة لحل مشكلاتنا الاجتماعية وتجاوز أزماتنا الثقافية. ويظهر غذاميُّ تويتر محاوراً هادئاً، متوازن اللغة، بعيداً عن التشنج وتصيد الأخطاء، حتى وهو يخوض معاركه التويترية، وهي صورة تختلف عن الغذامي الصاخب والحاد في صراعاته النقدية في المراحل السابقة، لكنه العمر، على ما يبدو، وتويتر أيضاً؛ ذلك «البيت الزجاجي»، لأن «من دخله لم يعد آمناً». هذه الصورة الملتزمة والمنظمة تترك أثراً واضحاً على مريديه (الافتراضيين) في تويتر، وهو يعزز سلوك الانضباط هذا في كل مناسبة ممكنة؛ يتبادر إلى الذهن في هذا السياق عبارته التي يختم بها حضوره اليومي في تويتر، حتى أصبحت أشبه بعلامة «غذامية» شهيرة: (الثامنة حدي).. هذا الحد الذي يتمدد بالحرارة، وينكمش بالبرودة.

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»