استفتاء كردستان

مُنذ أن بدأ الحديثُ عن عزمِ أقليم كردستان العراق إجراء استفتاءٍ للانفصال عن العراق وإقامة دولةٍ كرديةٍ والعالمُ ليس له من حديثٍ سوى الاستفتاء ونتائجهِ وانعكاساتهِ وهو ما أثار استغراب البعض من حجم ردود الفعل والاهتمام العالمي.

مطالبة الأكراد بإقامة دولةٍ مستقلةٍ لهم ليست وليدة اللحظةِ بل تمتدُ على مدى قرابةِ قرنٍ من الزمان فمنذ بدء معاهدات الصلح التي تلت الحرب العالمية الأولى وهذه المطالب حيّة ومتكررة. في نهاية الحرب العالمية الأولى عُقدت معاهدةُ سيفر في ١٠ أغسطس ١٩٢٠م والتي تم فيها توزيعُ تركةِ الدولةِ العثمانيةِ بين المنتصرين من قوات الحلفاءِ وتطبيق بنود اتفاقيةِ سايكس - بيكو في عام ١٩١٦م.


معاهدةُ سيفر نصّتْ على إقامةِ دولةٍ كرديةٍ في الأراضي التي يقطنُها الأكرادُ والموزعةُ اليومَ بين أربع دولٍ هي تركيا وإيران وسوريا والعراق. غير أن تلك التعهدات من دولِ التحالف لم تُطبقْ بل إنَّ القوى الكبرى آنذاك وتحديداً بريطانيا وفرنسا ولحاجتهم للتحالف مع الجمهورية التركية التي أقامها مصطفى كمال أتاتورك تنازلوا عن تعهداتهم السابقةِ للأكراد والغوا في اتفاقية لوزان في ٢٤ يوليو عام ١٩٢٣م إقامة دولة كردية وألغت لوزان كليةً أي التزامٍ لمعاهدة سيفر.

ومنذُ تلك اللحظة والأكرادُ يناضلون من أجلِ إقامةِ دولةٍ مستقلةٍ خاصةً بهم وهو ما وَحَّدَ رؤاهم في كل الدول الأربعة، تركيا، إيران، العراق وسوريا غير أنه أوقعهم في نفس الوقت في مشكلاتٍ عدةٍ مع دُوَلِهم وبدأ بينهم وبين سلطات تلك الدول نزاعات واشتباكات مسلحة بل إنّ المطالبة بأي حقٍ لُغوي أو ثقافي للأكراد كان من المحرمات في أنظمة تلك الدول ويؤدي بصاحبها إلى غياهب السجون. ولهذا اعتبرت تركيا على سبيل المثال حِزبَ العمالِ الكردي منظمةً إرهابيةً.


ردود الفعلِ العالمية غيرُ المرحبةِ بنتائج استفتاء كردستان العراق له اعتبارات عدة في مقدمتها أنّ الاعترافَ بنتائج الاستفتاءِ لا يعني تفكيكَ العراق فقط بل تركيا وإيران وسوريا، وهو ما سيؤدي إلى فوضى عارمةٍ انعكاساتها لن تقتصرَ على منطقةِ الشرقِ الأوسط بل العالم بأسره وسيكون محفزاً لاستقلال أقاليم تغلب على سكانها عرقيةٌ محددةٌ كما في إقليم كتالونيا في إسبانيا ودول غربية أخرى. وهو ما وضح في تصريح الرئيس التركي طيب رجب اردوغان بقوله: «إنهم يفتحون جرحاً في المنطقة ليزيدوا الوضع سوءًا».

كما أن ذلك أيضاً سببٌ معارضة الولايات المتحدة الأمريكية القوية لنتائج الاستفتاء في قولِ وزير خارجيتها ريكس تيلرسون: «إن واشنطن لا تعترفُ بنتائج استفتاء انفصال كردستان العراق، الاستفتاءُ ونتائجه يفتقران للشرعية» ولتبين مدى عدم رضا العالم لانفصال أقاليم عن دولها لمجرد الرغبة في تحقيق استقلال مبني على العرقية أو الثقافة الخاصة أو حتى المستند التاريخي كما ادعى صدام حسين باحتلاله الكويت.

تركيا والعراق وإيران وهي تدرك خطورة تنفيذ نتائج الاستفتاء لجأت لإجراءات عقابية عسى أن تُعيد الرشد للأكراد وتبقي وحدة دولهم على ما انتهت عليه منذ الحرب العالمية الأولى واوجدت بينهم توافقًا لم يكن قائماً قبل إجراء الاستفتاء. وتخوّفَ الدولِ الكبرى من انفراط الأوضاع إلى مستويات أسوأ مما هي عليه اليوم في منطقة الشرق الأوسط إنما هو الدافع والسبب الرئيس خلف رفضهم لنتائج الاستفتاء وليس دفاعاً عن حقٍ لهذا أو تخلٍ عن ذاك.

أخبار ذات صلة

اللا مركزية.. بين القصيبي والجزائري
الصناعة.. وفرص الاستثمار
ما الذي يفعله ذلك الزائر السري؟
نظرية الفاشلين!!
;
رؤية المملكة.. ترفع اقتصادها إلى التريليونات
أوقفوا توصيل الطلبات!!
نواصي #حسن_الظن
قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
;
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
;
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني