مهلا قبل النصيحة

** سمعت أن رجلًا مسنّا أفاد بأنه ترك الصلاة لفترةٍ من عمره، لماذا ترك الصلاة؟ قال: لأني كنتُ أتوضأ مرة، فدخل رجل عليَّ وأنا أتوضأ، وقال لي أمام الناس: أنت يا جاهل! أنت لا تدري ما دينك، هذا وضوء أم إهمال؟! قال: ففوجئت بهذا الأسلوب، وكرهته، وقلتُ في نفسي ليس فقط سأترك الوضوء، بل لن أصلي أيضًا.

** هذا واحد مِن الأمثلة التي أحدثت فيها النصيحة -غير المناسبة- آثارًا سلبية، والحقيقة أن المشكلة ليست في النصيحة نفسها، فالدين النصيحة، بل المعضلة في عدم مبالاة كثير من الناصحين بأحكام النصيحة وضوابطها وشروطها، ولا بأسلوبها ولينها وكيفيّتها، والبعض يتخذ النصح ذريعة للتطفل على الحياة الخاصة، وممارسة الوصاية على الآخرين، وتتبع عوراتهم وتعطيل أوقاتهم.


** وعن النصيحة سألت عن كيفيّتها، فوجدت ابن حزم رحمه الله يقول: (إِذا نصحت فانصح سرا لَا جَهرا، وبتعريض لَا تَصْرِيح، ولا تنصح على شرط القبول منك، فإن تعديت هذه الوجوه فأنت ظالم لا ناصح، وطالب طاعة وملك لا مؤدي حق أمانة وأخوة).

** وعندما سألت عن لينها وأسلوبها وجدته يقول: (فإن خشنت كلامك في النصيحة فذلك إغراء وتنفير، وقد قال الله تعالى: (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا) (طه: من الآية 44).


** وعندما طلبت مثالًا على التعريض بالنصيحة؛ لم أَجِد أجمل من اُسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا).

** وعندما سألت عن موضوع النصيحة؛ وجدتُ العلماء يقولون إنها لابد أن تكون في أمرٍ ثابت متفق على تركه، فلا إنكار في المسائل الاجتهادية، يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: (لا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء لكونه مخالفًا لمذهبه).

** وفِي الوقت الذي رأيت النصائح تهطل فيه تترًا، وجدتُ البخاري رحمه الله يقول: (من التنفير في الدين كثرة النصح)، ووجدتُ ابن مسعود يتحدث عن فعل سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فيقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ، كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا)، أي يتركهم أيامًا عديدة بلا نصح، هذا وهو الرسول، الذي ينتظر الجميع مواعظه، فما بالك بمن هو دونه؟.

** وأخيرًا فمن أهم الآداب للناصح، ﺃﻥ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ المنصوح ﻳﻘﺒﻞ ﻧﺼﺤﻪ، ﻭﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺭﺩ ﻓﻌﻞ ﻣﻦ ﺟﺮّﺍﺀ ﺍﻟﻨﺼﻴﺤﺔ، ﻭﻻ ﻳﺘﺮﺗﺐ عليها ﻭﻗﻮﻉ ﻣﻔﺴﺪﺓ.

** وبعد هذه الشذرات اليسيرة وصلت إلى أننا لو طبّقنا بعضًا من الآداب، لتقلّصت معدلات النصيحة السلبية بشكلٍ مهول في مجتمعنا، ولبقي الصالح المفيد منها، وعندما نظرت إلى عيوبي الغزيرة، التي ربما تفوق عدد شعري -غير الأصلع-، عاهدت نفسي أن أصلحها أولًا، وأن لا أنشغل بعيوب الآخرين. ودمتم.

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»