مسافر بلا هوية!!

عند حضوري المفاجئ لبيت أحد الذين توفاهم الله، شاهدت في الغرفة التي فيها الميت جمعًا من أقاربه، حيث خيَّم على الجميع الهدوء، وشيء من التوتر والحزن والبكاء، إلا أن المشهد كان غريبًا جدًّا، فعند البداية والميت ممدَّد على شرشف فوق المرتبة، سمعتُ مَن يقول ويُنادي: هاتوا الجثة للداخل لمكان الغسيل، وفعلاً حملنا الجثة من أطراف الشرشف، وكلي نظر فيمن كان يملأ المكان حضوراً، وكانت له هيبة واحترام وتوقير في نفس المكان والغرفة عندما كُنّا نزوره، وبعد فترة من الوقت والانتهاء من غسله وتكفينه ووضعه على التختة، فإذا مَن يُنادي هيا احملوا الجنازة إلى السيارة، وحملناها على الأكتاف إلى حيث سيارة الإسعاف، وسِرنا نحنُ خلف السيارة التي فيها الجنازة، ووصلنا إلى المسجد، وبعد صلاة الفريضة سمعتُ مَن يقول قدّموا الجنازة للصلاة عليها، ونادى المؤذن: الصلاة على الميت يرحمكم الله، وفعلا تمَّت الصلاة على الميت، وسمعتُ بعض الناس في المسجد تتهامس سائلة: مَن الميّت؟، والإجابة كانت فيمن سمعت: ما نعرفه، وحُمِلَ الميت إلى المقبرة وسمعتُ مَن يقول: الجنازة مُسرعة، ما احنا قادرين نلحق عليها، يبدو أنه رجل صالح، والبعض الآخر يقول: على مهلكم حتى لا تسقط الجنازة، وبالقرب من حفرة مهجورة يتساقط منها التراب، نزل الحفَّار (القبورجي) طالبا تنزيل الجنازة بمساعدة أحد أقاربه، ووسد الميت على التراب، وفك عنه الرباط، وبدأ وضع الطوب عليه، ليتم إسدال آخر شوفة للناس ممَّن حضر جنازته، ومن ثم حث التراب على قبره، ومكثنا شيئاً يسيراً من الوقت للدعاء له، وهناك من قال: ادعوا له بالثبات والمغفرة، وقد حضر الدفن بعض ممَّن يبحث عن الأجر في حضور الجنائز، ثم دعا له أحدهم بقوله: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، اللهم ثبّته عند السؤال، وذكّرنا بقوله: يا حبايب أُذكِّركم بما ذكَّركم الله به في كتابه: (واتقوا يوما تُرجعون فيه إلى الله)، وأُذكِّركم بما كان يُذكِّر به الحبيب المصطفى -صَلى الله عليه وسلم- أصحابه في مثل هذا الموضع: لمثل هذا اليوم يكون الاستعداد والعمل.

لقد كانت رحلة تلفّها الغرابة؛ منذ الإقلاع؛ وحتى محطة الوصول، من غرفة قبض الروح إلى غرفة الغسيل، إلى المسجد إلى المقبرة، ليس لهذا المسافر اسم يُذكر، لا مين هو ولا ايه اسمه، فقط كان يُذكَر: جثة، ميّت، جنازة.. إلخ، إنه الإنسان، ذلك المجهول، لا نسب ولا قبيلة ولا حتى اسم!!


ويوم يُعرض على الله يوم القيامة إنما يُنادى بفلان ابن فلانة، باسم أمه، الكل من تراب وإلى تراب، وصدق أبوالعلاء المعري حيث يقول في قصيدته المشهورة: «تعبٌ كلها الحياة»، التي مطلعها:

غيرُ مجدٍ في ملّتي واعتقادي


نوح باكٍ ولا ترنُّم شاد

إلى أن قال:

صاحِ هذي قبورنا تملأ الرحب

فأين القبور من عهد عاد

خفّف الوطء ما أظن أديم الـ

أرض إلا من هذه الأجساد

رُب لحدٍ قد صار لحداً مراراً

ضاحكٍ من تزاحم الأضداد

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»