المدير الجوعان

تتأثر شخصية الفرد بالبيئة التي نشأ فيها، والعادات الأصيلة في الإنسان تتغلب على ما هو مكتسب.. فالطبع يعكس ما اكتسبه الإنسان في نشأته، وبعض الطباع تستمر مع الإنسان طوال حياته.

ومن الأمثلة على الطباع الإيجابية (الكرم، الصدق، النخوة، حب الخير للآخرين)، والطباع السلبية (الكذب، النميمة، الوشاية، الحقد، الحسد... الخ).


الأمثال تعكس خلاصة التجارب عند الشعوب، ومن الأمثال التي تؤكد المعاني السابقة قولهم: «الطبع يغلب على التطبع» و»من شاب على شيء شاب عليه» و»يستطيع الذئب تغيير جلده لا طبعه» و»الثعبان الذي يغير جلده يبقى ثعبانًا».

وهذه القصة الرمزية عن والدة حاتم الطائي تبين الفكرة:


فحاتم مشهور بالكرم، وبعد وفاته شاهدت أمه أخاه يدخل إلى المطبخ ويبحث عن القدور الكبيرة فقالت له: ماذا تفعل؟ فأجابها سوف أحيي سيرة حاتم، فقالت له: لا تتعب، فحاتم منذ أن ولدته كان لا يرضع حتى أرضع طفلا قبله، أما أنت عندما كنت أرضعك من ثديي الأيمن كنت تغطي على الأيسر بيدك الثانية.

ومغزى القصة: أن تمثيل الكرم لن يخدع الناس ومن كان أنانيًا منذ طفولته لا يستطيع أن يجاري حاتمًا في كرمه وطباعه النبيلة.

أحد المديرين.. عاش طفولة محرومة وتوظف براتب بسيط، وكانت سيارته مستعملة «مقربعة»، ثم حصل على شهادة دراسية، وتعين بها في وظيفة أفضل، وهنا بدأ يتنكر لكل من عرفهم في ماضيه ويتعالى عليهم في طريقة كلامه ومشيته وتصرفاته.. ثم ترقى الى وظيفة أعلى، واشترى سيارة جديدة، وأصبح يتعامل بغطرسة أكبر، ويتمصلح مع المراجعين ويسألهم: وين تشتغلون؟ لكي ينسج شبكة مصالحه، وأصبح «كونتينر تجميع» هذا يهديه معجنات، والثاني حلويات، والثالث «ذبائح».

ثم هجم على موارد المنظمة -هجوم الجائع على الطعام- وأخذ يغرف من البدلات والانتدابات وخارج الدوام ومكافآت اللجان، وعمولات المشتريات ويستخدم كل الحيل في تعظيم دخله، بينما يوهم مرؤوسيه بزهده ويمنعهم مستحقاتهم بدعوى أن الميزانية لا تسمح.

ثم قفز الى مرحلة تالية في التكبر، وأصبح يصعر خده للناس ويمشي في الأرض مرحاً، ويتطيب بالعود ويبخر به مكتبه يوميًا، ويصب القهوة لكبار المراجعين ليوحي لهم أنه شيخ وصاحب جاه منذ زمن، ولا ينقصه إلا لبس «البشت» في مكتبه وتعيين Security لمرافقته في الدخول والخروج و»يا أرض أحفظي ما عليك!!».. والسلوكيات السابقة توضح شعوره بالحرمان في الماضي وهو الآن يلجأ لحيل التعويض.

التعويض عند «فرويد» يعني: لجوء الشخص إلى إستراتيجية التغطية على النقص الذي يشعر به -بصورة واعية أو غير واعية- «لتصحيح الاضطرابات النفسية بداخله وإثبات ذاته».. ولكن الشخصية السيكوبائيه تستخدم «التعويض الزائد» لإشباع نقصها والهيمنة على من حولها.

فالمدير هنا يشعر بالاضطهاد النفسي Paranoia والخوف ممن ينافسه، ويستخدم كل الحيل مثل (الكذب والكيد وتصيد الأخطاء، وخلط الأوراق...) لأجل العدوان على مرؤوسيه.. فهو لا يتوافق إلا مع المتزلفين له والسذج الذين لا يشكلون تحديًا لطموحاته المستقبلية.. ولذلك يحذر الحكماء من مصاحبة اللئيم لكونه انتهازيًا -لا أمان له- وإذا كان الطبع طبع سوء فلا أدب يفيد ولا أديب.

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»