صديقي عثمان عابدين... وداعًا

صديقي عثمان عابدين... وداعًا
* عرفت أخي وصديقي الأستاذ عثمان عابدين -رحمه الله- منذ التحاقي بالعمل الصحفي في صحيفة المدينة، في أوائل التسعينيات الميلادية، هو يعمل في القسم السياسي، وأنا أعمل في القسم الثقافي، وقد انتقلت لأكثر من قسم في الجريدة؛ غير أن عثمان لا يغادر القسم السياسي.

* وطيلة هذه الفترة التي تمتد إلى ما يقارب ثلاثين عامًا، نكاد لا نفترق باللقاءات الثنائية التي تتمحور حول: الثقافة، والإبداع، والسياسة، والموضوعات الصحفية، وصياغة (المانشيتات) للصفحة الأولى أو غيرها من الصفحات الداخلية.


* كنّا مجموعة من الزملاء نتحاور في مجالات متعددة، لا تنحصر في طبيعة العمل اليومي؛ بل إلى آفاق واسعة، وكان الصديق عثمان يتنوع في طرحه، ونقاشه عبر ثقافة متفردة؛ نادرًا أن تجدها لدى الصحفيين التقليديين.

* من خلاله سمعت بالمفكر السوداني محمود محمد طه، لأول مرة، وفِي إحدى رحلاتي خارج أرض المملكة، زرت أحد معارض الكتب، واشتريت كتابًا له، وأخذت نسخة أخرى لصديقي أبي الوليد، حيث كان بيننا تبادل وهدايا للكتب، ومن أبرز ما أهداني الصديق الراحل كتاب البروفيسور عبدالله الطيب (المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها) حيث كان يرى عثمان أن الدكتور عبدالله الطيب لا يقل عن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في فهمه للشعر الجاهلي، ورؤيته الفنية للأدب العربي.


* مجالستي الدائمة للأستاذ عثمان في مكاتب الصحيفة لا تخلو من الكلام عن التجديد في الأدب العربي: رواية وشعرًا، وكذلك القصة القصيرة جدًا التي كان يكتبها أبو الوليد، ويعدّ من أوائل كتّابها في الوطن العربي، ونشر نصوصًا منها في ملحق الأربعاء الثقافي، الصادر عن جريدة المدينة.

* لأخي عثمان رؤية فنية نحو روايات الطيب صالح، كان يقول: يا شريف؛ إذا أردت أن تعرف البيئة السودانية في كتابات الطيب صالح؛ اقرأ روايات: (عرس الزين) و(بند رشاه)، وفي كلامه صواب؛ لأن رواية (موسم الهجرة للشمال) تتحدث عن الاتصال بالآخر.

* وعثمان عابدين من الإعلاميين الذين يحملون وعيًا صحفيًا متصلا بقضايا الثقافة والسياسة، ودخل ميدان السياسة من بوابة الإبداع الثقافي، كواحد من مثقفي العرب الذين اتّصلوا بعالم السياسة؛ استجابة بمسؤولية المثقف الصادق، يسعى لتحقيق مبادئ القيم والأخلاق، التي تغرسها الثقافة في وجدان الشعوب الإنسانية.

* جمعتني معه أعمالًا مشتركة في العمل الصحفي؛ من بينها العمل في الفترة المسائية لتحرير الطبعة الثانية من الجريدة، وأجمل تلك اللحظات عندما نجلس معًا لاختيار العنوان الرئيس للصفحة الأولى، وأخبارها المحلية والسياسية.

* في سنة 2000م قامت «جريدة المدينة» بمبادرة جديدة، وهي تكريم العاملين في التحرير من القيادات التحريرية والمحررين، وقد بادر بها رئيس التحرير أخي الدكتور فهد آل عقران، وكان هذا الحفل في فندق الدار البيضاء؛ بحضور رئيس مجلس إدارة المؤسسة والأعضاء، وهو أوّل حفل يقام لأول مرة في مؤسسة المدينة المنورة للصحافة والنشر، بهذا المستوى الكبير من الحضور، فكانت لمسة جميلة من الدكتور فهد آل عقران الذي عمل تحوّلا كبيرًا في جهاز التحرير، وحققت المؤسسة مبيعات مرتفعة؛ فجاء هذا التكريم والتقدير للتحرير، فسلمت إدارة المؤسسة دروعًا تذكارية كتبت عليها (نجم الموسم)، ومن بين هؤلاء النجوم الزملاء: صديقي الراحل عثمان عابدين من القسم السياسي، وأذكر صديقي العزيز حسن الصبحي مدير الشؤون الاقتصادية، وحصلتُ على درع كمدير للشؤون المحلية.

* كان عثمان لا تفارقه الابتسامة، و(النكتة)، والتعليقات الطريفة، ويحبّ المزاح مع الأصدقاء والزملاء، وتحديدًا الزميل العزيز الأستاذ محمد المحيسني (القصيمي)، بحسب ما يلقبه أبوالوليد، وعلى الرغم من ذلك ، كان يسكنه حزن خفي لا يلمسه إلا الأقربون، وهو حزنه تجاه الابن (عابدين) الذي يعاني من مرض عضال يلازمه منذ ولادته، وصديقي لا يبخل علينا بالابتسامة والسرور، ويخفي الوجع والألم في سرائره، يحلم أن يرى عابدين في صحة وعافية أسوة بأقرانه.

* رحم الله الأخ.. والصديق.. والزميل.. والأستاذ..

* صديقي عثمان.. وداعًا.

أخبار ذات صلة

اللا مركزية.. بين القصيبي والجزائري
الصناعة.. وفرص الاستثمار
ما الذي يفعله ذلك الزائر السري؟
نظرية الفاشلين!!
;
رؤية المملكة.. ترفع اقتصادها إلى التريليونات
أوقفوا توصيل الطلبات!!
نواصي #حسن_الظن
قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
;
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
;
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني