مدرسة الأمثال!

الأمثالُ الحجازيةُ تمتازُ بقدرٍ كبيرٍ من التنوعِ نظراً لكون الحجاز -ولاسيما مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة- مستقرًا لطيفًا واسعًا متنوعًا من الثقافات والأجناس، تمثلتْ في هؤلاء البشر الذين شرفهم الله تعالى بجوار بيته الحرام استجابةً لدعوة أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام.

وهذه الأمثال تمتازُ بقصرها وقلة ألفاظها مع كثافة معانيها، فكأنها (تغريداتٌ) سهلةُ الفهم، شيقة الأسلوب، تكشفُ عن أسلوب تفكير، ومدرسة في الحياة.


والجميل أن تسمع هذه الحكم والأمثال من مصادرها الصحيحة، أي من أفواه أبناء الحجاز مثقفين وعامة.

تمثل هذه الأمثال ثروة حجازية؛ فقد رجعت بي الذاكرة لأيام الطفولة، تلك الأيام الجميلة التي كنا فيها -والدي وأعمامي وعماتي وجداتي-نسكنُ معاً في بيتٍ من ثلاثة أدوار به خمسةُ غرف فقط! يقع في شارع حمزة بن عبدالمطلبِ بالمسفلة، بالقرب من قهوة السقيفة.


في تلك الأيام الجميلة كانتْ هذه الحكم والأمثال تتردد على سمعي وسمع أقراني ونحن لم نتجاوز الرابعة بعد، خاصة من جدتي وعمتي رحمهم الله جميعاً.

وبعد انتقالنا لدحلة الوِلاية في حي المسفلة كانت الدروس المجانية تعطى لنا عن طريق الأمثال والحكم من الأقارب والجيران خارج المنزل وداخله، وكان الوالد -رحمه الله- إذا أراد التحذير من شيء أو التشجيع على شيء أردفَ نصيحته بأحد الأمثال أو الحكم الحجازية.

ومن الأمثال التي ما زالت عالقة في ذهني، ذلك المثل الشهير الذي كان والدي يردده دائمًا عندما يرسلني للسوق، قائلاً: يا ولد «ابدأ بالسوق متفرج»، أي تمهل وتفرّج على كافة المحلات لتعرف الأسعار فتأخذ أقلها.

ومثل آخر كنا نسمعه دائمًا: «اللي ما يِقْدِر الكبير يطيح في البير» وهذا يضرب للتأكيد على تقدير كبار السنّ.

ومثل آخر: «اللي يُدُق الباب يلاقي الجواب»، يضرب لمن يبدأ بإيذاء الناس فيجد مالا يرضيه.

ومثل آخر: «اقطع العرق وسيّح دمه»، وفيه أنّ من الحزم حسم الموضوعات وعدم تركها معلقة.

ومثل آخر: «حَاسِبْ قَبِلْ مَاَ تْنَاَسِبْ»، يُضرب في الحث على توخي الحذر في أمور النسب.

ومثل آخر: «حَبْل الْكِذِب قَصيِر»، ويُضرب في الكذب سرعان ما يظهر.

ومثل آخر:»خَالِفْ تُعْرَف:، ويضرب للخامل الذي يحاول الظهور بمخالفة الناس.

ومثل آخر: «يَاَ غَاًفِلْ لَكْ اَلله»، ويُضرب في الغافل لا يرى إلا الظاهر.

ومثل أخير: «أَفتَكِر أَسَاه تِنْسَاه».. ويُضرب حين تذّكر الأسى حين رؤية شخص.

وهكذا كانت الأمثال بابًا من أبواب التربية، ووسيلة من وسائل التوجيه.

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»