كتاب

دلاء البناء في ناعورة الحياة!

أسهم عرب المشرق كثيرًا في إثراءً حضارة الإنسان، وسبل الاستفادة من ثروات الطبيعة، وتسخيرها لبقائه منعَّمًا فوق كوكب الأرض.. فعلى سبيل المجاز، يوثِّق تاريخ الحضارة أَنَّ القمح الذي يُصنعُ مِنه الخبزُ، غذاءَ الإنسان منذ أن هبط آدم مِن الجنَّةٍ إلى الأرض كان مهده في حقول شمال شرق بلاد الشام التي وصِفت بأنَها (سلَّة غذاء روما) لاحقًا.. وَلَا عَجَبَ أَنَّ رغيف الخبز في بعض الدول العربيَّة يُسمَّى (العيش)، أو رغيف العيش لأنَّه مصدرٌ أساسٌ للغذاء في العالم قاطبة.. ولا عجبَ أن ارتبطت حياة الإنسان بمَعْنَييها المادي والمعنوي بقولِ: (ليسَ بِالخبز وحده يحيا الإنسان!).. وقد كان لنهري دجلة والفرات ومنبعهما من تركيا حتى مصبِّهما في بحر العرب مرورًا ببلادي الشام والرافدين، نعمة ربَّانيَّة في ريِّ السهول والهضاب والمزارع لتنبت التربة ينعًا من نِعَمِ الله على ساكنيهما بالخير والرزق الوفير.

ومع ما أفاء الله به على بلاد الشام من نِعَم الطبيعة بينابيع وأنهار، فقد كان لأهلها السبق في تسخير مياه الأنهار لري مرتفعات الأراضي الزراعيَّة بتصميمهم الناعورة لرفع الماء من مجراها في النهر إلى تلك المرتفعات والمدرجات الزراعيَّة.. وليس أدلَّ على ذلك من نواعير مدينة حماة على نهر العاصي، شمال غرب سورية.. صُمِّمَت الناعورة على شكل دولاب دائري متحرِّك يخترق وسطه عارض متين إمَّا معدن أو خشب مثبت بعامود في ضفِّة النهر، وثانٍ في الضفَّةِ الأُخرى.. وعلى محيط دائرة الناعورة تثبت دلاء تملأ عند انغمساها في الماء بفعل مسار الدولاب مع مجرى النهر.. وبانحدار الدلاء مع دوران الدولاب تفرغ ما فيها على مسار مُصمَّم فوق النهر تجري فيه المياه المفرغة إلى المرتفعات لري زراعتها.. وتستمر الناعورة في جريانها دون توقُف..


كم تشبه دورة الناعورة من سطح ماء النهر إلى القمَّة وعودتها إلى النهر، ثمَّ متابعة دوراتها دورة حياتنا! بداية من السطح مع تطلُّع إلى الأعلى من أجل حياة أفضل.. وبعد بلوغ الهدف، يبدأ الانحدار إلى القاع مصداقًا لقوله تعالى في محكم التنزيل: ﴿وَتلك ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ﴾.

لا ريب أنَّ رفاهية الأُمم والشعوب تقاس بما تحقِّقه دورات دولاب الحياة من معطيات تضفي على حياتنا قيمتها، وتطيل -بإذن الله- أعمارنا.. ولقد شهد عالمنا العربي في المئة سنة الأخيرة دوران دواليب متعدِّدة بعدد من بلداننا العربيَّة التي جزَّأها الاستعمار والعملاء دون أن يُتاح تقديم ثمارها لعدم استقرار أنظمتها، وتحكُّم الفاسدين والعملاء في أمورها باستثناء بلد الحرمين الشريفين التي هيَّأ الله لها الملك المؤسِّس عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه ليربط أجزائها المتناثرة بين الخليج والبحر الأحمر، وليقيم دولة حرَّة يحكمها الشرع الحنيف.. وعلى هديه ومآله، تابع أنجاله الملوك وخدَّام الحرمين الشريفين بالتفاني حتى ارتقت إلى مصافي الدول المتقدِّمة، قمَّة العشرين الاقتصاديَّة، متمتِّعة بعملة قويَّة مستقرَّة معادلة بالدولار الأمريكي المعتمد عالميًّا للتبادل التجاري، ممَّا حقَّق للأمَّة التمتُّع بثروات أرضها وإعمارها، فغدت قدوة للشعوب الأُخرى للنهوض ومجاراة الأمم في التحديث والإعمار.

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»