الدياب.. كاهلي الآخر..!

الدياب.. كاهلي الآخر..!

يكاد ضريح وسدوك ترابه يضيء فيمسي للذي ضل هاديا وإن زاره الغادي وقد طله الندى لدى الفجر خال الفجر بعدك باكيا قفزت إلى ذهني -والجمع يوسد الحبيب محمد صادق دياب قبره- هذه الأبيات لذلك الشاعر وكأنها قيلت فيه رمزًا ومعنى، لم أشأ وأنا أحد المقربين إليه أن أأخذ مكاني بين من يتلقون العزاء فيه، ذلك لأنني لا أملك القدرة على الثبات، ولا على سماع الجملة التي ينطق بها المعزون، كنت انهزاميًا في مثل هذا الموقف الصعب، وليس هم أقرباء محمد دياب، أو حتى أصدقاؤه، من يحق لهم العزاء فيه، بل كل أهالي مدينة جدة، بصفته عمدتها، وكاتب تاريخها، والحبيب الذي شغف بها، ولذلك احتضنته «أمنا حواء» واصطفته كابن بار بها، فقد كتب فيها وعنها تاريخًا أضحى مرجعًا لكل دارس وكل مطالع، وكذلك هو «بحر الأربعين» -الذي طالما وقف الراحل على شاطئه مفتونًا ومتغزلًا، والذي نسج على صوت أمواجه أعظم وأبرز قصائده وأروع أطروحاته- كان من بين آخر المودعين لذلك العزيز الراحل، وكأنه قد أدرك المستقبل، وحبس سواقيه حزنًا على فناء جسد طالما صافح سطحه وغاص في أعماقه، حتى سماء جدة، شاركت في تشييعه، فازدانت ببياض السحب، ولبست غمامة بيضاء ظللت موكب مشيعيه، تصد عنهم وعنه حرارة الشمس، وكأنه -وهو الذي منح كل من حوله الحب- لم يشأ أن يشق على أهله وصحبه، حتى وهم يوارون جسده الثرى، فبارك تلك الغمامة. إن من بين أكثر المآسي التي تواجه الإنسان في هذه الحياة هو الإحساس بالوحدة والعزلة، وعدم القدرة على الاتصال بالآخرين والانفتاح إلى عالمهم، ولكن (محمد دياب) كان على العكس من ذلك، لا يركن إلى الوحدة حتى في أسفاره، بل كان بمثابة «المغناطيس» يجمع أصدقاءه وزملاءه في أغلب الأمسيات، كما كان حلقة وصل بين المقيمين منهم وبين من فرض عليهم الشتات، كريمًا جوادًا، متمسكًا بآداب وسلوكيات وقوانين أهل الحارة، يتخطى سلبية الآخرين بالتسامي عليها، ويتجاوز ما أمكنه رعونة البعض بسمو قل أن يطبقه حليم. و(الدياب) الكاتب، كان يمتلك خلفية ثقافية عريقة منحته وعيًا جادًا بكل سطر يكتبه، وكانت كتاباته بمثابة ظاهرة صحية، لأنها كانت تعالج أي شبهة ركود أو تحجر في المجال الثقافي والفكري، وفي المقابل كانت كتبه وأطروحاته عن مدينة جدة العاشق لها تشكل مرآة للعصر الحاضر، استطاع بواسطتها من إيقاف قرائه على أشهر معالم هذه المدينة التاريخية وأبرز شخصياتها بالكلمة والصورة. عشرات الرسائل تبادلناها وهو يتابع العلاج في مدينة الضباب، خلع عليَّ خلالها لقب «الصديق المميز» وأنا أعتز بهذا اللقب، لم يكذب عليَّ فيها سوى مرة واحدة، كذب -سامحه الله- حينما قال لي (سنلتقي في نهاية شهر أبريل)، فسبق ذلك القدر. في الأسبوع الأخير الذي سبق وفاته كنت أسترضي هاتفه الجوال ليسمعني صوته ولكنه أبى، أحر التعازي لتلك المرأة الوفية التي رافقته وشاركته أفراحه وآلامه، والتي كان يعتبرها الأم والأخت والصديقة، والذي كان يشفق عليها لوطأة مرضه، والعزاء موصول لزهراته الثلاث بناته وقرة عينيه، وأشقائه الأوفياء، لا نملك رد القضاء، ولكننا نجيد الدعاء، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. halharby@yahoo.com

أخبار ذات صلة

وطنٌ يسكُن القمّة دائماً
الجيش السعودي الثاني..!!
شذرات
التحول الصناعي
;
مؤسسة «تكوين».. تصادر الفكر العربي وتعلن وصايتها عليه (3)
إلى أولئك الذين يحجون كذبًا!
يوم التروية.. «وجعلنا من الماء كل شيء حيٍّ»
مخبز الأمل الخيري.. مبادرة سعودية
;
ليه ما عزمتوني؟!
الحج المفتوح!
ومضات ‏على رحلة الحاج.. من الفكرة إلى الذكرى (2)‏
هل تخنق البروباغاندا الأمريكية دبلوماسيتها العامة؟!
;
أغرب الشائعات خلال العقد الماضي!
بعض الأصدقاء..
خدمات الحج: تجربة لا تُنسى
قليلٌ من الحياء.. يا أدعياء الشهرة