كتاب

جزوعــــــــي

يصف عنوان المقال؛ الشخص الذي يُخادع ولا يلتزم، وهي من الصفات العامية التاريخية الظريفة في مجال الألعاب والأنشطة الجماعية.. خطرت على بالي عندما جلست في مقعد الطائرة البوينج 300- 777 بمحاذاة محركها الجبار، وهو الأكبر والأقوى في العالم.. خلال عملية الإقلاع سيسحب بإرادة الله كمية هائلة من الهواء في الدقيقة الواحدة، تفوق حجم الفراغات في صالة المغادرة الشمالية في مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة. وسبحان مَن سخَّر لنا هذا.. فمَن هو صاحب العقل الجبار الذي اخترع المحرك النفاث، علماً بأن عمر التقنية لا يتعدَّى التسعين سنة فقط.. يعود اختراع التقنية وتطبيقها في عالم الطيران إلى العالم الألماني «أوهين» عام 1935، حين صمَّم المحركات النفاثة، وتم تركيبها على طائرات «هينكل 178»، المقاتلة الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية.. ولكن لو بحثت بعمق في الموضوع، ستجد أن المهندس الإنجليزي «فرانك ويتّل» كان السبَّاق في اختراع المُحرِّك النفَّاث الجوي، وقد سجَّل براءة اختراع بذلك في بريطانيا عام 1930م.. ولكن الاختراع لم يجد ولا حتى «رائحة» الاهتمام في بريطانيا في تلك الفترة، وفي الواقع فقد نفذت فترة براءة التسجيل عام 1935 بمبدأ «لا من شاف ولا دري». ولم تكن هناك أي استثمارات في تلك التقنية من أي من الشركات الرائدة في مجال المحركات، علماً بأنها كانت متعددة في بريطانيا، وفي أوروبا بشكلٍ عام.

وحاول «ويتل» أن يُسوِّق فكرته بدون أي جدوى، كمَن يُحاول أن يُسوِّق جوالاً في سوق محلات الفيديو في الثمانينيات.. لغة مختلفة في بيئة تقنيات «مرستكة». جدير بالذكر أن المحرك النفاث أبسط ميكانيكيا من المحركات المكبسية التي كانت سائدة آنذاك، وهو يُحقِّق خصائص دفع أفضل من المحركات المروحية في رفع الحمولات والسرعة، والتسارع، والارتفاع، وكلها مرغوبة في عالم الطيران. ونعود إلى المخترعين الألماني والإنجليزي.. نفس الاختراع في نفس الفترة الزمنية.. أكيد أحدهما جزوعي.. «أوهين» أو «ويتل».


ولكن هناك جوانب أخرى قبل أن نحكم على الموضوع، فتقنية الطوربينات لتوليد الكهرباء كانت موجودة آنذاك، وهي إحدى القواعد الأساسية في تطوير المحركات النفاثة، فربما الموضوع برمته لم يكن اختراعاً؛ بقدر ما كان تطويراً لتقنية مثبتة.

ومن عالم المحركات النفاثة ننتقل إلى عالم التصميم الهندسي في العديد من المجالات في الجو، وعلى الأرض، وفي البحر.. من سيارات، وطائرات، وبواخر، ومباني، وشوارع، وأدوات كهربائية، وإلكترونيات.. كلها لا تخلو من قواعد رياضية، وظفت أحد أقوى وأجمل فروع الرياضيات، وهو «التفاضل والتكامل».. ولو بحثت في تاريخ اختراع هذا العلم الرائع، فستجد اسم العالم الإنجليزي «إسحق نيوتن» الذي قدَّمه للعلم في الفترة 1667م.. ولكن في نفس الحقبة الزمنية قام العالم الألماني «ليبنيتز» بتقديم نفس الأفكار، فتكوَّنت نواة مدرستين فكريتين، وقامت الحرب الفكرية الشعواء بينهما.. في ألمانيا قالوا إن نيوتن هو «الجزوعي».. وفي إنجلترا كان الاتهام موجهاً للعالم الألماني وكل من وقف معه. والاتهامات بسرقة الأفكار والسلوكيات «الجزوعية» موجودة في كل مكان وزمان عبر التاريخ.. من اختراع الحاسوب، إلى «الفيسبوك»، وأنظمة التسليح، وتصميم الطائرات، والسيارات، والجوالات، والهندسة الوراثية، والأدوية، وحتى اللدو.. كلها لا تخلو من اتهامات بالسرقات «عيني عينك».


* أمنيــــــة:

أتمنى أن نُدرك الفروقات بين مفهومي الاختراع والتطوير، ففي العديد من الأحيان لن تجد المخترع الواحد خلف الفكرة أو المنتج، بل إن هناك مجموعات من العقول، كلٌّ بطريقتها المختلفة بتوفيق الله، وهو من وراء القصد.

أخبار ذات صلة

اللا مركزية.. بين القصيبي والجزائري
الصناعة.. وفرص الاستثمار
ما الذي يفعله ذلك الزائر السري؟
نظرية الفاشلين!!
;
رؤية المملكة.. ترفع اقتصادها إلى التريليونات
أوقفوا توصيل الطلبات!!
نواصي #حسن_الظن
قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
;
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
;
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني