كتاب

تجربة متقاعد!!

ينزعج الكثير من الناس وهم على رأس العمل -وأنا كنت واحداً منهم- من اقتراب سن التقاعد النظامي عن العمل الحكومي، وفاتهم أن الخروج من دائرة العمل لا تعني بالضرورة الخروج من دائرة العطاء والتميز في هذه الحياة، وأنها مازالت مستمرة وقطاراتها لا تتوقف.

يجب أن يدرك الواحد منا وهو على رأس العمل، أن البقاء على الكرسي لا يدوم وإلا لما وصل إليه؛ وأنه بعد التقاعد يجب عليه أن يتكيف مع الواقع الجديد وأن يعي أيضاً أن كل التسهيلات والخدمات -الخمسة نجوم- التي كانت تقدم له لم تكن تقدم إلا للكرسي الذي يقبع عليه الشخص وليس له شخصياً.


شخصياً عندما تركت موقعي الوظيفي كمدير لجامعة أم القرى في نهاية عام 2018م، بعد عشر سنوات من العمل الإداري بين مستشاراً ووكيلاً ومديراً للجامعة، توافد الكثيرون من الأصدقاء على منزلي للسلام والثناء المعتاد لكل من يترك موقعاً مرموقاً في الدولة -أعزها الله-، لا يزال في ذاكرتي عندما جاءني في إحدى المرات صديق من أصحاب المعالي -متقاعد سابق- للسلام والزيارة ليقول لي: «إنني أكثر الناس إدراكاً لهذه اللحظة وأعرف ردود أفعال الناس المختلفة حول المسؤول بعد تركه للعمل»، وأضاف قائلاً: «إن تلفوني المحمول كان يستقبل أكثر من مئتي مكالمة في اليوم، أصبح بعد تركي للعمل لا يرن إلا كل عشرة أيام، إلا من مكالمات الأهل والأقارب، عندها شعرت أن بعض ضعاف النفوس من أصدقاء الكرسي -والكلام لمعاليه- قد تحولوا، وأن متعددي الوجوه من المطبلين في الأمس والذين كانوا حولي قد اختفوا وذابوا، وأن من ظل ثابتاً على صلته ومودته ووفائه هم فقط أصحاب المبادئ والقيم وذوي الأخلاق النبيلة، ممن لا يتغيرون وفقاً لتغير الظروف والمصالح».

شخصياً كنت -ولله الحمد- أدرك هذه الأمور لذلك لم أتقمص الكرسي وعلى يقين أنني سأتركه يومًا ما فالبقاء لله وحده، ولم أستغرب عندما تحول البعض ممن حولي بمجرد تركي للكرسي.


لا يزال في الذاكرة أحدهم، كان دائم الاتصال الهاتفي بي ليلاً ونهاراً، وكنت من الذين قدمت لهم خدمات في غير مضرة للغير، وبمجرد انتهاء فترتي من العمل الإداري انقطع ذلك الشخص عن الاتصال الهاتفي بي تماماً بما فيها المناسبات، وحتى وأنا أمر بظروف صحية طارئة خارج المملكة.

بتوفيق من الله -سبحانه وتعالى- ثم دعاء الوالدين تأقلمت مع الوضع الجديد وعدت لما كنت عليه قبل العمل الإداري وذلك بالعمل والقراءة والتأليف والكتابة وإلقاء المحاضرات في مجالات الاقتصاد المعرفي والموهبة والتمويل الذاتي وغيرها في الجامعات السعودية وحضور المؤتمرات داخل المملكة وخارجها وعضوية الكثير من الهيئات والجمعيات وتخصيص أوقات للاجتماع مع العائلة والأحبة من أصدقائي الأوفياء الذين كانوا على تواصل معي قبل وأثناء المنصب.

أخبار ذات صلة

هل التجنيد العسكري هو الحل؟
حصاد الخميس..!!
أهالي شدا الأعلى والتعاون المثمر
خيارات المسيَّر: ملكوت الشعر وجنونه
;
علامات بيولوجية جديدة للكشف عن السرطان
معيار الجسد الواحد
قراءة.. لإعادة هيكلة التعليم وتطويره في بلادنا
دراسة الرياضيات
;
«يا أخي الهلاليين لعيبة»!
الضحايا الصغار.. وغفلة الكبار
طريق الفيل: أثر «الأحلام» الخائبة (3-3)
جامعاتنا.. ونموذج أرامكو في التأثير المجتمعي
;
لا حج إلا أن يكون بأرضها!!
إسرائيل.. كلبٌ بأسنانٍ حديدية
ابنك النرجسيُّ.. مَن يصنعُهُ؟!
قرار حكيم.. «الآن تنطقون» ؟!