كتاب

كل إناء بما فيه ينضح

كمْ هُو دقيقٌ وعميقٌ هذَا المثلُ الشعبيُّ الذِي أتصوَّرُ أنَّه لمْ يكنْ مجرَّد مَثَلٍ، بلْ هُو حكمةٌ قالَهَا حكيمٌ، فهذَا المثلُ يمكنُ أنْ يطلقَ في وصفهِ على حالِ الفردِ، ويمكنُ أنْ يطلقَ -أيضًا- على حالِ الجماعةِ. فعلى مستوَى الأفرادِ نستطيعُ أنْ نحكمَ على المتحدِّثِ في سلوكهِ وقيمهِ وعلمهِ وتجاربهِ واتجاههِ الفكريِّ، وعلى مستواهُ الاقتصاديِّ، وحتَّى على مدَى تقواهُ أو انحرافِهِ كمَا يدعمهُ في الهدفِ نفسهِ عدَّةُ أمثلةٍ شعبيَّةٍ أُخْرَى مثلُ قولِهم (تحدَّث كَي أعرفكَ)، وقولِهم (لسانكَ حصانكَ إنْ صنتَهُ صانكَ وإنْ شنتَهُ شانكَ)، وحتَّى في الجانبِ الشرعيِّ نجدُ أنَّ هناكَ آياتٍ كريمةً وأحاديثَ شريفةً تصبُّ في المصبِّ نفسِهِ، كقولِهِ تعالَى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، وقوله تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)، وقوله تعالى: (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا).

وما ينطبقُ على الأفرادِ حتمًا ينطبقُ -أيضًا- على الجماعاتِ، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أنَّ الثقافة المجتمعية التي يكتسبها مجموعة الأفراد، من خلال المنابر التي تغذيهم فكرياً كالتعليم والإعلام والمنابر الدعوية، تنعكس على سلوك المجتمع. فإذا كانت تلك المنابر ذات اتجاه حضاري تنطلق من أعمال العقل، نجد أنَّ ذلك المجتمع عقلاني وقابل للتطور بسرعة هائلة، ولديه منتجات حضارية معرفية، كما نجد التنافس الحاد بين المجتمعات التي تحمل تلك الثقافة.


أمَّا إذا كانَ منابرُ هذَا المجتمعِ نقليَّةً يجترُّ افرادُهَا الماضِي، ويعيشُونَ حياةً متخلِّفةً مستهلكةً لمَا تنتجهُ الدولُ المتقدِّمةُ ذاتُ الثقافةِ العقليَّةِ المعرفيَّةِ بعدَ أنْ تجاهلُوا إعمالَ عقولِهِم التِي تكتنزُ الكثيرَ جدًّا من القدراتِ المهملَةِ، وهذَا ينطبقُ تمامًا على المجتمعاتِ العربيَّةِ، ومعهَا بقيَّةُ الدولِ الناميةِ، كمَا نجدهَا تعيشُ وتقتاتُ على الخرافةِ بشتَّى صورِهَا.. واللهُ من وراءِ القَصدِ.

أخبار ذات صلة

كن غاليًا في الوطنيَّة
الدكتاتورية الناعمة !
القراءة الورقية.. وأختها الرقمية!!
هل بين الحفظ والتفكير تعارض؟
;
حكاية أشرقت.. فأنورت وأبدعت
دبلوماسيتنا العامة بين النظرية والتطبيق
البنات..!!
أملٌ.. يُضيء لنا الطريق
;
القطاع الصحي.. ومؤشرات النمو
طيـــــــــران
مواهب سعودية شابة.. تلفت أنظار العالم
سلاح الاقتصاد بين أمريكا والصين
;
لديك مواهب؟!
(نوبكو).. إستراتيجية للتنمية
«سلاسل الإمداد» طريق المملكة نحو المستقبل
الأمن و(رجاله)..!