Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

تسييس الأحاديث النبوية 1-2

منذ عصور الاستبداد في القرون المتقدمة وهناك من يتاجر بالدين على حساب دنياه، وهم الذين عناهم القرآن بأنهم يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، إلا أنهم في الوقت الحاضر يستخدمون النصوص الشرعية ليس لمجرد حماي

A A
منذ عصور الاستبداد في القرون المتقدمة وهناك من يتاجر بالدين على حساب دنياه، وهم الذين عناهم القرآن بأنهم يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، إلا أنهم في الوقت الحاضر يستخدمون النصوص الشرعية ليس لمجرد حماية الاستبداد، إنما لتوظيف مشروعاتهم السياسية!
ومن عجب أن يُستخدم توظيف النصوص أو التلاعب بها ولو بحسن نية من أطراف محسوبة على الفصيل المعادي للإسلام، وأخرى معادية له، وهم كما عبَّر عنهم د. برهان غليون بأنهم أصحاب (الاتفاق المضمر)، وذلك بقوله في كتابه (نقد السياسة.. الدين والدولة) في ص 14: «إن السبب الأكبر في فساد الأرضية النظرية التي يطرح من خلالها اليوم موضوع الإسلام في المجتمع العربي هو الاتفاق المضمر بين الإسلاميين المتطرفين وخصومهم على تجاهل واقع الإسلام الديني في سبيل تجييره جميعاً لصالح المعركة السياسية، كل طرف لأهداف مختلفة».
إن تجاهل واقع الإسلام بين الإسلاميين المتطرفين وخصومهم من العلمانيين المتطرفين لم يعد كذلك هو الوسيلة لكلا الفصيلين كما يقول د. برهان، بل صارت أداة تفعيل الإسلام هي القوة لأفكارهم ونفوذهم، ولكنها الأداة المسيّسة، التي تشكلت في عصور الانحطاط الفكري، والاستبداد في الحكم، لتتطور اليوم، وتصبح أداة بيد السياسيين المرشحين في دوائر النظام الديمقراطي، والممسكين بأزمَّة تشكلاته باسم الديمقراطية ولكنها المسيَّسة، والانتخابات ولكنها المزورة، وفوقها النصوص الدينية المأولة لمن أراد!
ولنتأمل هذه الأزمة فيما حصل في ليبيا وتونس ومصر واليمن بل وحتى سوريا البعثية النصيرية (الحُكم).
لقد تم في كل قنوات التلفزة الرسمية تدويل أحاديث نبوية صحيحة، وأخرى ضعيفة، تصب في تشكيل مفهوم الاستعباد للطاغية، وتسليمه مقومات الحياة والبقاء بدءً من أخذ المال وانتهاءً بضرب الظهر، بحجة التسليم والطاعة!
وكل الخشية والأمة اليوم في قمة استيعابها في ظل القنوات ومسارات الإعلام الكثيرة، أن يتصلب فكرها، ويذوب فهمها عن قبول المعنى الصحيح لهذه الأحاديث، فترفضها مطلقاً، لأنها رُسَّخت بمفهوم واحد.
ولنقف الآن مع جملة من هذه الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة، ولننظر إليها من خلال تفسير أئمة السلف، وروح الشريعة، ثم لنستلهم منها الدلائل المنضبطة الموافقة لهدي الشرع، البعيدة عن الغلو والتقديس، والبعيدة كذلك عن التفلت وتفريق الجماعة.
ومن هذه النصوص التي كثر عرضها على شاشات التلفزة الرسمية في كثير من بلاد الثورات العربية، ما يلي:
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» (البخاري).
والسمع والطاعة واجبة مرة أخرى للحاكم المسلم في المعروف أياً كان اسمه ولونه وشكله وأصله، طالما رضي به الشعب ولو كان رأسه كالزبيبة، فهذا هو قرار الشعب لحاكمه!
ثم إن هذا الحاكم ولو كان أصله حبشياً، فهو أمام نص يحكم تصرفاته، ففي الحديث عنه: «فاسمعوا وأطيعوا ما أقام لكم كتاب الله» (الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح). وفي رواية النسائي بسند صحيح: «ما قادكم بكتاب الله».
ولا أظن عاقلاً يمكن أن يصعب عليه الحكم لمن حرم الناس من أداء شعائرهم، وسرق ممتلكاتهم، ووثَّقت عليه كل المواثيق الدولية وحقوق الإنسان العالمية، جرائم حرب، وانتهاكات الحرية.
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالجماعة». (الترمذي). وفي رواية ابن عباس مرفوعاً: «فإنه من فارق الجماعة شبراً مات ميتة جاهلية». (متفق عليه).
ومفارقة الجماعة هنا الخروج عليهم بالسلاح، والاعتراض بالقوة، وخلع البيعة، والطاعة قائمة.
ومثله الحديث الصحيح: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه» (مسلم). وفي رواية «كائناً من كان» (مسلم).
وتفسيره ما حصل في عهد معاوية عندما قَتَل (حُجر بن عدي) وهو من فقهاء الصحابة لأنه اعترض على آراء وأفعال لم يرتضها حجر ولا بعض الصحابة ممن تجمع معه، وكان اعتراضه من دون خروج مسلح، فرأى معاوية أنه ممن يريد أن يُفرِّق جماعة المسلمين، فأمر بقتله، مما أغضب أم المؤمنين عائشة عليه، حتى أتاها آسفاً، بعد أن عرف أن اعتراضه السلمي قولاً أو فعلاً ليس مسوغاً لاستخدام العنف ضده فضلاً عن القتل.
وبعد، فإن الأمة الإسلامية في معظمها اليوم تعاني من الظلم والاستبداد المرير، كما تعاني كذلك من التفلت والدعوة إلى العصيان والفرقة.
والأحاديث السابقة كلها تؤصل لمفهوم طاعة ولاة الأمر والحكام المسلمين بالمعروف، ومشاركتهم في النهضة والتنمية للأوطان، والتعاون على البر والتقوى، وفي المقابل تدعو إلى عدم التسلط، والاستبداد بالاستدلال، وأن الحاكم إنما رضي به الناس طواعية ليسوسهم بالحق والعدل، والحرية والكرامة. وهي قواعد وأصول لا تقبل التراخي ولا التنازل.
ونكمل في المقالة القادمة جملة من الأحاديث المهمة في ذات السياق.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store