Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

قراءة في ديوان “لست وحيدًا ياوطني” للشاعرة بديعة كشغري

No Image

“لست وحيدًا يا وطني” آخر إصدارات الشاعرة بديعة كشغري وقد صدر عن دار الخيال للطباعة والنشر في بيروت. الديوان يقع في 112 صفحة، من القطع المتوسط وصمم غلافه الفنان السعودي عبدالرحمن السليمان، وقد تضمن 28 نصًّا شعريًّا ولوحات تشكيلية لها دلالاتها الرمزية لكل من الفنان الفسلطيني إسماعيل شموط والفنانة السعودية نوال السريحي.

A A
“لست وحيدًا يا وطني” آخر إصدارات الشاعرة بديعة كشغري وقد صدر عن دار الخيال للطباعة والنشر في بيروت. الديوان يقع في 112 صفحة، من القطع المتوسط وصمم غلافه الفنان السعودي عبدالرحمن السليمان، وقد تضمن 28 نصًّا شعريًّا ولوحات تشكيلية لها دلالاتها الرمزية لكل من الفنان الفسلطيني إسماعيل شموط والفنانة السعودية نوال السريحي.وقد شدني الديوان بدءًا من العنوان المحمّل بشحنات التوتر الشعري.. ترى أي وطن تعنيه الشاعرة وتخاطبه بحرف النداء بأنه لن يكون وحيدًا؟ هل هو وطنها الأم؟ أم إنه الوطن العربي بجغرافيته الأكثر شمولاً من المحيط إلى الخليج؟ ولعل هذا هو الأرجح بعد قراءتي للديوان وما تضمنه من قصائد تتغنى بالإنتماء للوطن العربي الكبير- على الرغم من أن الديوان لا يخلو من قصائد عشق للوطن الأم- “هناك خلف أكتاف نخيل يضيء” كما جاء في إهدائها الذي أفتتحته بقولها:“على ضفاف الغربة كتبت معظم هذه النصوص وحال شرقنا العربي يتأرجح بين عبث الحرب واستنزاف آلتها المدمرة وبين إصطلاء الدمار والخراب للأرض والإنسان فما كان إلا أن أهديها إليك أيها الوطن الحميم فليس في معجمي سوى عشق االأرض، بين قدس المدائن.. دروب بابل ومحاجر يثرب”.فالشاعرة تحمل هموم وطنها كالأم الرؤوم التي تحمل هم أطفالها جميعًا مهما كبروا أو باعدت بينها وبينهم ظروف الحياة وتقلباتها، ويتضاعف اهتمامها بالمريض منهم أو المجروح كـ”غزة” المحاصرة الجريحة.وليس أدل على ذلك من قصيدتها بعنوان (من متون الأرض تنبع قصتي) التي تستهلها بدرامية مؤثرة مستقاة من واقع الحدث: “ورأيت غزة في الحصارفلول النار تجرفهاتُساقِطها شهيدًاأو وليدًاأو قل نشيدًامن رجفة الموت ينضج قانيًاوالرصاص يقتحم الوريد إلى الوريدكأني بالفضاء حشد مواسم ثكلىأو طرائد من جماجملا تكذبها عيوني!!”وبعد تصوير بليغ لحجم الجراح ونزيف الأرض في هذه القصيدة تشحذ كشغري وعي ضمائرنا بقفلة تعتد بكبرياء الأنسان العربي وذاكرة سيرته فتقول:“للأرض فضتها ولنا عزة البذل:تواشيح يقين تلمع ببروق ودماءزفراتي لن يطفئها الـ”واقف” فوق حدوديأرض سيرتها/ “سين” تسمو / بخبيء متونيبطفولة عشقي تتسامىلينفتح الضوءُ بجذعٍ منسيٍفي قلبي تنشق منارة عشق اخرى بمرتجعِ العمر: تضاءُ.. تُضاءْ.ذاكزتي شرق يصحبني/ إلى صحن الحرم القدسيهأنذا من نطفة أرضي اتخلّقلن تتساوى النطفة يومًا بالماء”ولكل قصيدة في الديوان عالم خاص بها من وقدة المشاعر وتنوع الإيقاع الداخلي على كل المستويات النفسية والفكرية والتصويرية. لكن بعضها استوقفني لأعيد قراءته مرات منها القصيدة / الومضة بعنوان “الجراح المسؤول”: “الأمم المتحدةتخلع أسنانهاواحدًا تلو الآخرالجرّاح المسؤوليحقن صدغها بمخدر فولاذي القوةالأمم المتحدة تفقد الإحساس بالألمكما تفقد القدرة على الكلام(العاصمة الأمريكية)هي عنوان الطبيب المشرف على هذه العملية..!”.أما في قصيدة (وإذا سُئلِنا) تنكأ الشاعرة جراحنا الغائرة وتجعل قلوبنا تقف في عراء موجع بين وعي السؤال وحيرة الجواب حيث تتساءل:“وإذا سئلنا بأي ذنب نقَّتل كل يوموبأي إثميواجه “طلفنا” حلك الظلامكيف نجيب سائلناوالصمت في وجليلف شفاهناوالقلب من قبلمشنقة مهيأة لهإذا رغب الكلام..!”وماأبلغ إهدائها قصيدة (تعالوا صغاري) إلى أطفال غزة تحت الحصار وقصيدة “ميثولوجيا شخصية” إلى كوكب الأرض الذي يعاني ويلات الحروب واستباحة الأسلحة التي “تضرج وهاده بعار خطايانا” معتذرة لهذا الكوكب بقولها:“معذرة أيهذا الكوكب.. يا أرضنالسنا منك لتصدق حكايانافقد منحناك عربات الموتى/ بعد أن أهديتنا خيمة المأوىوما برحنا نقابل نهارات بياضكبلطخات تقتات عالى “اليورانيوم المخضب”أو هي استباحات “الفسفور الأبيض”ألا يحق لك بعد كل ذلك أن تقذف بخطانا إلى محرقة العدم؟!” كما تنقلنا بديعة معها للوطن الأكبر بقصيدتها “سياج الأسئلة” حيث يفجؤنا سؤال كبير في مطلع القصيدة:(هل مسّنا شيء من الجنِ.. أم شيء من الجنونتاريخنا..بأيدينا أضعناهأم ضيّعه الآخرون..؟).كما يضم الديوان نصوصًا عديدة تحكي وجع الغربة ولواعج الحنين إلى الوطن الأم خلال مرحلة الاغتراب التي قضتها الشاعرة في كندا بما يقارب عقدًا من الزمن. وليس أبلغ من عنوان قصيدة (أقيم ولا أقيم) الذي يجسّد عمق الارتباط بأرض الوطن، كما يكشف النص عن ثيمة الانتماء حيث يحمل الشاعر أرضه أينما حلّ وحيثما ارتحل حتى لو سافر آلاف الأميال فيما وراء البحار: “بين العواصف والعوصف في شتاء اونتاريوأشتهيك كقبلة الأطفال دفئًا / يوّشح جبهتي مثل طهر أو حنينأعبر في المسافة/ مثل طير ينفض ريشه المبتل طوعًايندس في دعة / خلف شرفة بابك الموشوم في كتفييعّرش في ضلوعي مثل سر الياسمين”تتغنى كشغري بالوطن الأم الذي زرعت في ترابه شهي أحلامها و”نذرت لصحوه المطري أغنيتها” فنراها تناجيه حينًا وتغازله بلوعة المحب حينا آخر: “وفي صدري مواجيد/ تشف ببوح أشجانيفأنت الروح إذ شهقت/ وأنت العوسج الضوئي في لغتيوأنت البوح / أنت الجرح ما اهتزت لغصته / سوى أغصان ساقيتي وأحلامي”“لست وحيدًا يا وطني” تأصيل لمعنى الهوية وتشبث بجذور الوطن في زمن ندرة النفوس البيضاء بعد أن تلوّثت أنفس كثيرة بعولمة التغريب واللانتماء.هكذا نشعر بعد قراءتنا هذا الديوان أن وطننا العربي ليس وحيدًا في معاناته، بل أننا معه بنبض قلوبنا ونبض أحرفنا وهزيج أشعارنا.تحية للشاعرة بديعة كشغري ممزوجة برائحة التراب الطاهر الذي خلقت منه وتغنت به، ولا أملك إلا أن أضم صوتي إلى صوتها الذي يمثّل ضميرنا الجمعي مستصرخًا ضمير الأمة، متطلّعًا إلى آفاق من الحرية والكرامة لإنساننا العربيّ ولحقه وحق أطفاله -على وجه الخصوص- في العيشى الأبيّ الكريم.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store