Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الشِّعر في مواجهة الإرهاب (3)

No Image

الأدب بمفهومه الواسع يحتلُّ قيمةً كبرى في توجيه الخطاب الثَّقافي والفكري، فهو جزءٌ من كيان الأمة، ومعلمٌ من معالم حضارتها ورقيِّها، وهو القلب النَّابض المعبِّر عن ضميرها، وآمالها، وآلامها.

A A

الأدب بمفهومه الواسع يحتلُّ قيمةً كبرى في توجيه الخطاب الثَّقافي والفكري، فهو جزءٌ من كيان الأمة، ومعلمٌ من معالم حضارتها ورقيِّها، وهو القلب النَّابض المعبِّر عن ضميرها، وآمالها، وآلامها.
ولم تبرز قضية من القضايا أو ظاهرة من الظَّواهر إلَّا وتناولها الشِّعر، وأبان عن رؤيته حولها، فما زال أرباب البيان، وأصحاب القريض يجيلون النَّظر مرَّة تلو الأخرى ليُشْدُوا بروائع أشعارهم التي تعبِّر عن رؤاهم بصورة أدبيَّة بليغة اشتملت على عناصر الإبداع الأدبي ومقوِّماته التي تنهض بها الشَّاعريَّة.
وقضيَّة الإرهاب من القضايا التي تناولها الشُّعراء في مختلف الأقطار العربيَّة وصوَّروا فداحتها، وأثر الفكر المتطرِّف فيها، فالإرهاب في المفهوم العام هو نتاج الفكر المنحرف الذي ضلَّ الطَّريق، وحاد عن جادَّة الصَّواب، مبتعدًا عن كل الأُسس والثَّوابت والقيم الدينيَّة والأخلاقيَّة، وهو في المنظور العام ظاهرة عالميَّة، لا وطن لها، ولا دين، ولا عرق، ولذا تلظَّت بها جميع الشُّعوب في شتَّى أصقاع الأرض.
وقد استوقفتني قصيدةٌ تعبِّر عن هول الفواجع التي يرتكبها أصحاب الفكر المتطرِّف، وذلك حين يتجرَّدون من لباس الفضيلة، ويرتدون أثواب الحقد والكراهية والبغضاء، فيسفكون دماء الأبرياء ظلمًا وعدوانًا، ويُشوِّهون الصُّورة النَّاصعة التي ينبغي أن يتحلّى بها الفرد المسلم، يقول الشاعر عبدالله الزَّمزمي:
مَـا بَـالُ أَعـدَّاءِ الـحَـيَــاةِ تَـجَـرَّدُوا
مِن رُشدِهِم، رَكَنُوا إلى الشَّيطَانِ!
سَفَـكُـوا دِمَـاءَ الأَبــرِيَـاءِ ضـلالَـةٌ
وَتَـمَـسَّـكـوا بِـحَـبَـائِـلِ الشَّـيـطَـانِ
أكَـلُـوا فَلمَّـا أُتخِمُـوا لـم يَشـكُـرُوا
وتَـبَـدَّلــوا بـالـمُــزنِ أَحـمَــرَ قَـانِ
الرَّاقصونَ على الجِرَاحِ، يَهُزُّهم
نَـزَقُ الـجُـحــودِ لـسـيِّــدِ الأوطـانِ
ويدلِّل الشَّاعر على خطابه المفعم بالأسى والاستنكار بصورة حيَّة لطفلة نالها الغدر والعدوان، وهي زهرة تستشرف آفاق المستقبل، وتُمَنِّي نفسَها أن تخدم مجتمعها، ولكنَّها غادرت الحياة، ولم تعرف مراد الجاني، ولم تَدْرِ لماذا أقدم هذا العابث على اغتيال الطُّفولة، واللَّهو بأرواح الأبرياء، يقول:
يـا طِـفـلـةً يـنـدَى عـلـى ألـحـانِـهـا
وَجـهُ الصَّـبـاحِ وتَـستَـفِـيـقَ مَعـانـي!!
«وِجدَانُ» مَا مَاتَت، ولكِن سافَرَت
لِـتَـقـولَ: لَـم أعـرفْ مُـرادَ الـجَـانِـي؟
يـا مَـن تَجَـرَّدَ مـن سمـوِّ ضَمِـيـرهِ
مُـتْ، فـالـحـيـاةُ تُـريــدُ قـلـبــًا حـانِـي
أَسَـرقـتَ مِنِّي العُمـرَ فـي إشـرَاقِـهِ
وَرَزَأَتَ دَارَ السَّــعــدِ بـالأَحــزَانِ !!
أرأَيـتَ أَقـسَـى مِـن عُـتُـوِّكَ عِـندَمَا
لَـمَـحَ ابـتـســامَ بَــرَاءتِـي فَــرَمَـانِـي؟
واغتَلتَ في»أُمِّي» الأُمُومَة فَارتَوى
مِن دَمـعِــهَــا جَـرحِــي الَّـذي وَارَانِي
وهُناكَ يَرتَسمُ الوجُومُ على «أَبِي»
ويـقُـولُ: مَـالِـي بـالـمُـصـابِ يَـدانِ!!
لـكِـنَّــنِــي أَجِــدُ الـعَــزَاءَ بــأنَّ لِــي
ربَّــا سَــيَــقــصِـمُ كُــلَّ ذِي طُـغـيـانِـي
وغَـدًا سَـيـجـمَـعُـنَـا بِـسَـاحَـةَ عَدلِـهِ
وهُــنَـاكَ لا شَـيء سِــوَى الـمِـيــزَانِ
فقد تجلَّت العاطفة الشِّعريَّة في رسم صورة الطفلة «وجدان» التي اغتالتها سهام الغدر الآثمة التي لا تفرق بين صغير أو كبير، أو بين رجل أو امرأة، وهذا ديدن الأعمال الإرهابية البغيضة التي تهدف إلى التخريب والإفساد في الأرض، والإضرار بالأفراد والمجتمعات.
* الجامعة الإسلامية - المدينة المنوَّرة
Mh1111m@ : تويتر

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store